مستوى المضمون الذي حمل اعلانا صريحا بان الرئاسة ادركت ان السياسات التي عارضتها وأدانتها هي «اكراه» باتت اليوم تتبناه بخجل.
في كلمته امس امام اعضاء الحكومة اكدّ رئيس الجمهورية قيس سعيد على ان البلاد تمر بأزمة مالية لا احد ينكرها. وهي المرة الاولى التي يقر فيها الرئيس بحقيقة الازمة المالية بعد ان كان ينكرها ويعتبرها مفتعلة. على غرار ما قاله في خطابه في سيدي بوزيد في سبتمبر الفارط.
الانتقال من ان ازمة المالية العمومية مفتعلة من قبل خصومه الذين يعتمدون «الازمات كنهج حكم» الى القول الصريح بان البلاد تمر بأزمة مالية تحتاج الى البحث عن مخارج منها بالتعويل على الذات وهذا يشمل التعويل على التونسيين والتونسيات في الداخل وفي الخارج.
هذا الاقرار بالأزمة تزامن مع تغييرات شكلية في كلمة الرئيس. الذي تحدث امس بهدوء وغابت عن ملامح وجهه الانفعالية والغضب. فهو يتوجه الى التونسيين والتونسيات بطلب دعم مالية البلاد ويطمئنهم بان المبالغ التي سيقدمونها لتخفيف وطأة الازمة المالية ستكون تحت رقابة الرئاسة والحكومة.
هذا التغيير الجديد في الخطاب عبر الاقرار بان البلاد تواجه ازمة مالية، عملت الرئاسة منذ 25 جويلية على انكارها والتعويل على مصادر عدة لتعبئة موارد مالية لغلق ميزانية 2021 والايفاء بتعهداتها المالية. جاء ليعلن ان الرئاسة وقفت على «وقائع» الحكم واكراهاته.
فبعد سنتين من انتقاد الماسكين بالحكم ولمقاربتهم السياسية تجد الرئاسة نفسها «تحكم» وهو ما يعنى انه لا يمكنها الاستمرار في تقديم خطاب نقدي او معارض وعليها ان تحقق منجزا على الارض. هذا المنجز تصطدم الرئاسة بانه ليس يسيرا وان للدولة نواميس واكراهات تجبر من يريد الحكم على «التطبيع» معها.
وهذا ما قامت به الرئاسة وكشفت عنه امس في المجلس الوزاري، سواء في الكلمة التي القاها الرئيس والتي حملت تغييرات في الشكل والمضمون او عبر البلاغ الصادر عن الرئاسة والمتعلق بمخرجات اجتماع المجلس الوزاري والمصادقة على 11 مرسوما وامرا رئاسيا.
مراسيم بلغ عددها 6 تعلقت كلها بالالتزامات المالية لتونس، سواء بالمصادقة على قانون مالية تعديلي لسنة 2021 او المصادقة على قروض او السماح للدولة بالاكتتاب. 6 مراسيم تحل محل القوانين التي كان مجلس النواب يصادق عليها وكانت محل نقد الرئيس في وقت سابق بقوله ان البرلمان وطيلة سنته الثانية لم يصادق الا على 3 قوانين اما البقية فقد كانت المصادقة على «قروض».
قروض تمت امس المصادقة على 4 منها وتم اقرار اصدار مراسيم رئاسية بشأنها. وهي خطوة الرئيس لمجابهة التحديات المالية الراهنة في انتظار ان تتوفر «الحلول غير التقليدية» التي طالب من الحاضرين معه في المجلس ان يتقدموا بها.
وفي انتظار الحلول لا يرى الرئيس ضررا في الاعتماد على السياسيات التي أنتقدها. وهذا يكشف عن انه تراجع بخطوات عن نهجه الصدامي اذا ما تعلق الامر بادارة الملف الاقتصادي والمالي للبلاد، وانه وقف على ان تصوراته المتعلقة بثراء البلاد وقدرتها على تعبئة موارد مالية بمحاربة الفساد واسترجاع الاموال المنهوبة ليست بالامر الهين والبسيط بساطة القول.
ادراك ان الخطاب في واد وممارسة الحكم في واد مغاير هو ما كشف عنه امس وتجلى في مضمون الكلمة او في شكلها، مما يعنى اننا امام عملية تراجع وان كانت باحتشام فالرئاسة التي انفقت الكثير من الوقت في تعبئة الشارع ضد خصومها السياسيين وضد المنظومة التي تحاربها اليوم، تعذر عليها تغيير السياسات المتبعة طيلة عقود بسياسات جديدة. ولهذا فإنها لجأت لتسويقه بمفردات جديدة.
قديم يكشف ان القصر ادرك ان الملفات المالية والاقتصادية لا يمكن ان تدار «بالخطاب» او بالاستجابة لنوازع الشارع وتقلباته ويكشف ان التصورات الجديدة التي تتحدث عنها الرئاسة وتقدمها باسم «حلول غير تقليدية» لم تستكمل اذا ما الامر بالمالية والاقتصاد وادارتهما.
هذا الادراك الذي عبر عن نفسه بتراجع تمثل في الاقرار بالازمة المالية وفي اعتماد مخارج قديمة لتقليص تداعياتها مع البحث عن تعبئة موارد مالية اضافية مصدرها التونسيون والتونسيات، يدفع لطرح سؤال حول ما إذا كانت الرئاسة تتجه بالبلاد الى منعرج جديد في تعاطي الرئاسة مع شؤون الحكم وادارة الشان العام؟
في كلمته أمام المجلس الوزاري: الرئيس يقر بالأزمة ويتراجع خطوة ..هل هو المنعرج ؟
- بقلم حسان العيادي
- 10:11 05/11/2021
- 1403 عدد المشاهدات
يبدو ان هناك ما تغير لدى الرئيس -او هذا على الاقل ما قدمته كلمته في اجتماع المجلس الوزاري امس- سواء على مستوى الشكل او على