الى المشاركة في هذه الوقفة التي تنظم احتجاجا على تكرار الاعتداءات بالعنف على الصحفيين والصحفيات من قبل تونسيين وتونسيات انتصروا لفصيلهم السياسي فاستهدفوا الاعلام والصحافة.
جاءت هذه الدعوة عقب اجتماع للمكتب التنفيذي عقد يوم الاثنين الفارط على خلفية الاعتداء بالعنف الذي طال مجموعة من الصحفيين والصحفيات اثناء قيامهم بتامين نقل المسيرة المناهضة لرئيس الجمهورية وتفعيله للفصل الـ80 من الدستور.
عنف مادي ومعنوي طال العاملين في الصحافة والإعلام. منذ 2011 وما عقبه من تطورات سياسية في البلاد وأحداث تميزت بحدة الاستقطاب والانقسام في الشارع إلى مذهبين او تيارين سياسيين مهيمنين فرضا خطابيهما على الساحة السياسية والاعلامية.
على امتداد هذه السنوات العشر كان الصحفيون والصحفيات ضحايا خطاب عنيف واعتداءات متكررة. اختلفت هوية مرتكبيها. من قوات امن الى احزاب سياسية وانصارها الى نشطاء ومواطنين ومواطنات انتسبوا الى هذا الطرف او ذاك. الاختلاف بينهم كان في الدرجة التي يبلغها العنف ضد العاملين والعاملات في القطاع الاعلامي.
عنف انطلق في بدايته بالوسم بـ«اعلام العار» واستمر في احداث محزنة ومفجعة، عنف ومنع من العمل ومحاصرة لمقرات مؤسسات اعلامية من قبل «الجمهور» الذي كانت تتوجه إليه هذه المؤسسات بإنتاجاتها الصحفية والإعلامية وتبحث بمختلف مشاربها عن توفير خدمة الاخبار والتفسير والترفيه لجمهورها المستهدف من التونسيين والتونسيات.
عشر سنوات واجه فيها الإعلام والصحافة في تونس خطابا تحريضيا وعنفا نجمت عنه عملية الشيطنة والتخوين من قبل الفاعلين السياسيين الذين كانوا يبحثون عن تطويع الاعلام لخدمتهم وأمام تعذر ذلك استهدفوه، والأمر مستمر حتى بعد 25 من جويلية وما تبعه من احداث فرضت على القطاع وقعها.
فانقسام الشارع التونسي بين داعم لخيارات رئيس الجمهورية ومعاد لها، انعكس على عملية تلقيهم واستهلاكهم للمنتوج الصحفي والاعلامي، فبات كل طرف يريد من الاعلام والصحافة ان تعكس وتنقل خطابه فقط، اي انه يريد منها ان تنحاز اليه والى سرديته السياسية أيّا كانت توجهاتها.
عملية الضغط التي تمارسها اطراف سياسية او غيرها عبر «انصارها» باستهداف الصحفيات والصحفيين اثناء عملهم الميداني او عبر هجوم وحملات على منصات التواصل الاجتماعي فرضت في السابق ولازالت تفرض اليوم السؤال «ما دور الاعلام في الانتقال الديمقراطي؟ وما دور الاعلام بعد25 جويلية؟ وهل يجب على الاعلام والصحافة ان يصطفا خلف جهة ما طالما ان الجمهور يريد ذلك؟؟؟
اسئلة عدة تفرض نفسها اليوم في المشهد التونسي وما الصحافة والاعلام الا جزء منه تشملها هذه الاسئلة. التي وقعت الاجابة عنها في مناسبات عدة ولكن لم يتغير شيء، فمع وصول حركة النهضة للحكم اثر انتخابات 2011، اثيرت هذه الاسئلة التي يمكن ان تختزل في «الاعلام في خدمة من؟
والاجابة عن هذا السؤال: «الاعلام والصحافة في خدمة الجمهور»، والجمهور هنا هم التونسيات والتونسيون الذين يستهلكون المادة الاعلامية والمنتوج الصحفي المقدم لهم من مختلف وسائل الاعلام التونسية، صحف ومجلات ومواقع وإذاعات وقنوات تلفزية. وجدت نفسها منذ 2011 في خضم معادلة صعبة جدا.
كيف تقدم خدمتها لهذا الجمهور الذي يعادي جزء منه الاعلام ويعتبره مكمن الشرور، بالنسبة لجزء من الجمهور ان يقدم الاعلام رواية او ان يمنح حيزا للاصوات المعارضة لفصيله السياسي او المختلف عن قناعته السياسية او الدينية فانه يحيد عن دوره كما كانت تقول حركة النهضة وانصارها سابقا «في خدمة الثورة المضادة» او كما كانت حركة نداء تونس تقول «له اجندات مشبوهة» وقس على هذا مع مختلف الفاعلين السياسيين الذين امسكوا بمقاليد الحكم في البلاد.
إنهم يتبنون خطابا يعادي الاعلام ويبحث عن تدجينه ويستعينون في ذلك بأنصارهم الذين يمارسون ضغطهم عبر حملات العنف والشتم في الفضاءات الافتراضية او في الميدان، لان قناعتهم ان الاعلام يجب ان يخدم احزابهم او ان يساير تقلبات انتماءاتهم السياسية. في حين ان الاعلام والصحافة وظيفتهما اولا تقديم الاخبار للجمهور، اي البحث والتدقيق لتوفير مادة خبرية تقدم لجمهور من القراء او المستمعين او المشاهدين بهدف اخبارهم بما يحدث ويتعلق بالشأن العام او الصالح العام، اي الاخبار التي تنعكس على حياتهم بشكل مباشر لا مسايرة المزاج العام في تقلباته ومدى تاثره بخطاب سياسي او انضباطه لهياكل احزاب او منظمات.
ومن دور الاعلام والصحافة تفسير الاحداث والكشف عن التقاطعات والارتبطات بينها اي ان تعلم الجمهور بما لديها من معطيات تفيد وتشرح اسباب ما يحدث وما قد يحدث لاحقا، وهذا ما توفره وسائل الاعلام التونسية اضافة الي الترفيه والتثقيف والتوعية وغيرها من الادوار التي تطورت .
ادوار تجعل الصحافة والاعلام مسؤولان وملتزمان مع «الجمهور» لكن دون ان يعنى هذا ان يقع التغاضي عن الحقائق والمعطيات او كشف محاولات التوظيف والمطامح السياسية لكل طرف من اجل ارضاء جمهور متعصب لفصيله السياسي او لزعيمه الذي يقدم له خطابا يعادي الإعلام ويجعل منه شماعة لتعليق الاخطاء.
فقادة الاحزاب او السياسيون أيّا كان مواقعهم عليهم ان يتصالحوا مع حقيقة انهم يخضعون لمراقبة الاعلام ومساءلته وان هذا جوهر العمل الصحفي والاعلامي الملتزم بخدمة الصالح العام لا الاطراف والكيانات السياسية.
واخيرا ان كان من حق الجمهور ان يعرب عن عدم رضاه او انزعاجه من المنتوج المقدم له فليس من حقه ان يمارس العنف على الصحفيات والصحفيين باسم مبادئ وشعارت الثورة او تصحيح المسار او انقاذ الديمقراطية. فهو بذلك يمارس الترهيب بهدف اخضاع الصحافة للحاكم او لمراكز النفوذ.