من الحيرة وان القانون المنظم للسلط العمومية جاهز وان لم يفعله لان المهم لديه أنه بإمكانه تعيين حكومة لكن الأهم هو المهمة بل السياسات التي ستنتهجها، ليقع الرئيس من حيث لا يعلم في تناقض مع خطابه في الـ25 من جويلية 2021.
في الخامس والعشرين من جويلية الفارط اعلن الرئيس عن تفعيل الفصل الـ80 من الدستور. يومها اعلن انه سيتولى بصفته رئيسا للجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة «رئيس حكومة» يعينه هو. وانه قرر اصدار نص بموجبه يقع اعفاء رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي على ان تقع دعوة شخصية اخرى لتولي الاشراف على الحكومة أثناء «مدّة التدابير» وفق تصريحه الذي اكد فيه ان رئيس الحكومة سيتولى ادارة الحكومة وهو مسؤول امام الرئيس الذي سيتولى تعيين اعضاء الحكومة كما سيتولى الاشراف على المجالس الوزارية.
يومها رسم الرئيس ما يمكن وصفه بخارطة طريق وقدم تعهدات سياسية للتونسيين ، لكنه في خطابه يوم 14 من سبتمبر الجاري، تاريخ لقائه بأساتذة القانون، تراجع عن تعهده الابرز وهو «دعوة شخصية « لتولى رئاسة الحكومة لمساعدة الرئيس في ادارة المرحلة الاستثنائية.
وقال مساء الثلاثاء الفارط، لمستمعيه انه لا يعتبر ان المهم تعيين حكومة بقدر ما ان الاهم من وجهة نظره ضبط السياسات التي ستطبقها الحكومة . ففي الكلمة التي امتدت لـ18 دقيقة و30 ثانية وفق التسجيل الذي نشرته صفحة الرئاسة على شبكة فايسبوك، انطلق الرئيس من انه يتوجه الى جميع من يرددون هذه الايام ان الرئيس قام بانقلاب، سواء عن حسن نية او سوئها. انه لا يمكن الحديث عن انقلاب اذا تعلق الامر بتفعيل الفصل 80 من الدستور وفق قوله.
والفصل 80 يتيح للرئيس اللجوء الى التدابير الاستثنائية لحفظ على الدولة. من هذه النقطة ينتقل الرئيس مباشرة للحديث عن الحكومة وكيف انه كان بمقدوره ان يعين رئيس حكومة في 26 او 27 من جويلية الفارط. لكن ووفق استطراده «القضية هي سياسة حكومة».
اذ انه يعتبر ان المهم ليس اختيار الاشخاص الذين يكلفون بحقائب وزارية بل في السياسات العامة التي ستنتهجها الحكومة. تفصيل حرص الرئيس على ترديده في عدة مناسبات بأشكال مختلفة. من بينها انه «من السهل اختيار رئيس الحكومة وتكليفه بتكوينها» هذا ان كان الرئيس يريد حكومة فقط.
لكن ونظرا الى ان الرئيس يعتبر ان جوهر المسألة «السياسات التي ستتبعها الحكومة» فهو غير مستعجل في تعينها. وهنا لتقليص وطأة غياب الحكومة يقول الرئيس ان «الدولة مستمرة» وان المدراء العامين يشرفون على ادارتهم. بل ويذهب الى المقارنة مع عليه الامور في 1959 في تونس لقول انه «لم تكن هناك حكومة اصلا في دستور 1959» وان تونس كانت تسير من قبل بكتاب دولة.
وقد عاد لاحقا ليجيب عن من يطالبه بتكوين حكومة ويقول لهم ان «الهدف تحقيق مطلب الشعب» اما الحكومة يمكن ان تشكل فهي ليست بالقضية، كلمة محورها الاول والأخير ان الحكومة ليست مهمة بقدر اهمية السياسات وان الدولة يمكنها ان تستمر دون حاجة الى الحكومة في الوقت الراهن.
ويدافع الرئيس عن هذه الفكرة بشكل شرس مشددا على انه لن يذهب في «خياراتهم»، وهم هنا يفتح قوسها ليشمل السواد الاعظم ممن يختلفون مع الرئيس في القراءة والتقييم او خصومه السياسيين الذين يلمح اليهم دون ذكرهم.
لتحل الدقيقة 15 وخمسون ثانية من التسجيل لتحمل معها اعلانا على لسان الرئيس بان «التنظيم المؤقت للسلط موجود وله من النصوص ما لا يعرفونه» وينتقل هنا للحديث عن ان الدستور نص خاضع للمراجعة والتعديل.
في كلمته امام اساتذة القانون وكلمته في الـ25 من جويلية. يبرز تخلي الرئيس عن خيار دعوة شخصية لتولي منصب رئيس الحكومة دون شرح لاسباب هذا التخلي، فالاقتصار على ذكر ان المهم هو السياسات وليس الحكومة حجة لا تنجح في اقناع المطالبين بتعيين الحكومة، كما انها تكشف عن ان الرئاسة في حيرة من امرها بعد ان تعذر عليها ايجاد مخارج لتنزيل تعهدات تقدمت بها في بداية المسار وباتت تجدها اليوم صعبة التطبيق.