على قناة سكاي نيوز العربية : سوف يتم تعليق العمل بدستور 2014 باعتباره مصدر مشاكل البلاد وهناته العديدة تقتضي اليوم إصدار دستور جديد..
والسيناريو الأقرب للواقع هو إصدار أمر ينظم بصفة وقتية السلط العمومية وتكليف لجنة أو لجان لإعداد مشروع دستور جديد رئاسي الهوى ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي ..
سوف لن نتعرض هنا الى شكل هذا الإعلان : الإعلان عن قرارات مصيرية تهم البلاد عبر حوار لمستشار الرئيس في قناة تلفزية أجنبية فالأساسي يكمن في جوهر القضية رغم الأهمية البالغة لشكل العرض .
إذن قد حسم رئيس الدولة أمره فهو لا يريد إصلاح الدستور من الداخل بل يرى أن الوفاء لفكرة الدستور يقتضي تعليق العمل بهذا الدستور الحالي وتعويضه في نفس الوقت بنظام مؤقت للسلط العمومية تكون فيه جلّ سلط الدولة في يد رئيس الجمهورية .
نحن هنا أمام منعرج جديد وخطير ينهي جزءا هاما من سردية 25 جويلية وهي التحرك داخل الدستور ولو كان ذلك بتأويل متوسع ومتعسف للفصل 80.وتعليق الدستور كما هو معلوم لا يحصل عادة إلا مع الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية أو نتيجة لمسار سياسي تشاركي يقرر فيه الطيف الواسع في بلد ما ضرورة الانتقال إلى دستور جديد ،أما عندنا الآن – على ما يبدو – فسيكون قرار فرديا دون أدنى تشاركية جدية ودون حوار وطني مجتمعي لتوضيح الرؤيا وتحديد الخيارات الكبرى ..
لو تأكد هذا المسار وخطا رئيس الدولة هذه الخطوة المفصلية ستكون الدولة والبلاد في ورطة كبيرة نبدأها بنكث اليمين الدستورية التي أداها رئيس الدولة حيث اقسم بالله العظيم – وفق الفصل 76 – على المحافظة على استقلال تونس وعلى احترام «دستورها وتشريعها» والواضح هنا هو الدستور الذي أصبح بموجبه رئيسا للدولة أي دستور 2014 لا الدستور الافتراضي أو فكرة الدستور.. وان كل تغيير للدستور – وفق هذا القسم – ينبغي أن يحصل وفق آليات دستور 2014،هذا بالإضافة إلى أن قيس سعيد خلال حملته التفسيرية لم يقل لنا البتة انه سيعلق العمل بالدستور لو تم انتخابه كرئيس للجمهورية .
ما حصل مع الاستعمال الموسع والاعتباطي للفصل 80 هو ما سيحصل بعد أيام قليلة،أي رفض الإصلاح من داخل المؤسسات وعدم بذل الجهد لإصلاح منظومة الحكم من داخل آلياتها ثم عدم تطوير هذه الآليات من داخل الفضاء الذي يسمح به الدستور ..
سيقول بعضهم بأن هذا الإصلاح كان مستحيلا وأن الطبقة السياسية الفاسدة قد أوصدت كل سبل الإصلاح من الداخل..
قد تكون لهذا الكلام وجاهة كبرى لو تمت محاولة إصلاح جدية وتشاركية واتضح للجميع بعد ذلك استحالتها،ولكن رئيس الدولة قد اختار طريقا غير هذه معرضا البلاد لمخاطر قد لا تكون قادرة على مجابهتها ..
هل أن الإصلاح مازال ممكنا من الداخل ؟ نعم اليوم وأكثر من أي وقت مضى وقد قدم الأستاذ سليم اللغماني منذ أسابيع مقترحا عمليا قابلا للتحقيق،كما قدمت الأستاذة عبير موسي رئيسة الدستوري الحر مقترحا مشابها له يوم أمس. مقترح الأستاذ اللغماني هو التالي: تشكيل حكومة ثم دعوة البرلمان الحالي للانعقاد بعد الاتفاق منع أغلبية النواب على عدم منح هذه الحكومة الثقة وهنا يتم حلّ المجلس بمقتضى الدستور وتتم الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها.
هذا بالطبع لا يحقق جلّ ما يحلم بع قيس سعيد والدائرة الضيقة من أنصاره ولكنه يضمن البقاء في إطار الدستور والعمل على تعديله لاحقا وفق آلياته والاهم من كل ذلك وضع العملية الإصلاحية ضمن عمل المؤسسات ،كما أن التشاركية السياسية والمجتمعية ضرورية في كل ديمقراطية ويجنبنا المغامرات الفردية مهما بدت لنا مغرية وخلابة .
تثبيت الخطى – في كل الحالات – أفضل وأسلم من القفز نحو المجهول.