عن تفعليه للفصل 80 يوم 25 جويلية، وهو يعكس تبعا لذلك الحالة النفسية لعموم التونسيين وكانت النتيجة منتظرة إلى حدّ كبير : تفاؤل كبير لم تشهده البلاد منذ أن بدأ هذا الباروميتر في قيْسِ الحالة الذهنية للمواطنين وثقة شبه جماعية في رئيس الدولة ومساندة كبيرة لقراراته .
أما في سبر آراء نوايا التصويت فنلاحظ تراجعا حادا لحركة النهضة (%10.9) وآخر نسبي للدستور الحرّ (%30.8) وبروز قوي لحزب لا يوجد بعد وهو «حزب» قيس سعيد بـ%20.1 ..وفي الرئاسية نجد أرقاما لا عهد لنا بها منذ الثورة إذ يحقق رئيس الجمهورية %91.4 من مجموع نوايا التصويت المصرح بها ..
بعد حوالي أسبوعين من القرارات الرئاسية يوم 25 جويلية نلاحظ تغيرا جذريا في المزاج العام فبعد أن تجاوزت نسبة التشاؤم %90 خلال الأشهر السابقة ها أن التفاؤل يصل هذا الشهر إلى %77.1 وهي نسبة لم نشهد لها مثيلا منذ سنة 2012..
التفاؤل عام عند كل الشرائح والفئات الاجتماعية ولا نكاد نجد فوارق تذكر لا جهويا ولا جندريا ولا جيليا ولا معرفيا ولا اجتماعيا.
لقد شهد الباروميتر السياسي الشهري الذي تنجزه مؤسسة سيغما بالتعاون مع جريدة «المغرب» منذ جانفي 2015 بعض طفرات التفاؤل ولكن أهمها كانت في (نوفمبر 2019) كانت في حدود %62 فقط أما الأغلب الأعم فقد اتسم بتشاؤم كبير بلغ ذروته في هذا النصف الأول من سنة 2021.
• تقييم التونسي لقرارات 25 جويلية
بصفة إجمالية هنالك مساندة شعبية قوية لقرارات 25 جويلية بلغت %94.4 ما بين مساندة قوية (%76.8) ومساندة نسبية (%18.1) بينما لا يعارضها بشدة سوى %2.6 من التونسيين.
أما عندما نأتي إلى تفاصيل هذه الإجراءات فنجد أن قرار رفع الحصانة عن جميع النواب هو الاكثر شعبية (%93) بينما لا يحظى قرار رئاسة النيابة العمومية (والذي تخلى عنه قيس سعيد فيما بعد إلا على %78 من المساندة ).
• تفاؤل حذر
اليوم أصبح التونسي متفائلا بالمستقبل بنسبة %75.3 مقابل %23.5 متن المتخوفين ولكن تفاؤل التونسي حذر إلى حدّ بعيد فالتفاؤل التام هو دون عتبة %40 (%39.0) بينما يبدي أكثر من الثلث (%36.3) تفاؤلا نسبيا في انتظار القادم .
والملاحظ أيضا أن التونسي في العموم ليس متخوفا لا على الوضع الأمني أو مصير الحقوق والحريات والمسار الديمقراطي أو على مؤسسة القضاء،ولكن هذا لا يمنعه من الاعتقاد بان الوضعية الاجتماعية سيئة للغاية (%81.1) وكذا الأمر بالنسبة للوضعية الاقتصادية (%88.2).
• الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية: قيس سعيد يحطم كل الأرقام القياسية
مؤشر الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية (والذي لا علاقة له بنوايا التصويت لفائدتهم ) مهم للغاية لأنه يعبّر عن مدى قرب أو بعد هذه الشخصيات من قلوب المواطنين..
في ظرف شهر واحد انتقل قيس سعيد من %30 من الثقة الكبيرة إلى %82 وهذه القفزة الكبيرة تفسر بطبيعة الحال بما حصل يوم 25 جويلية وبتحول رئيس الدولة من وضعية القائل إلى وضعية الفاعل والذي غير في يوم واحد المعطيات السياسية بصفة جذرية .
باستثناء قيس سعيد شخصية توجد واحدة شهدت ارتفاعا في منسوب الثقة الكبيرة فيها وهي النائب المجمّد (حسب العبارة الدارجة اليوم ) منجي الرحوي والذي ربح ثلاث نقاط وارتقى إلى المرتبة الثامنة بـ%10 من الثقة الكبيرة .
بقية الشخصيات خسرت كلها نقاطا كثيرة أهمها على الإطلاق صاحب المرتبة الأولى في الشهر الماضي عبد اللطيف المكي والذي خسر 13 نقطة ليكون الآن في المرتبة الثانية بـ%26 بعيدا عن قيس سعيد بـ56 نقطة كاملة .
صاحب المرتبة الثالثة صافي سعيد بـ%21 خسر بدوره 6 نقاط كما خسرت صاحبة المرتبة الرابعة عبير موسي 4 نقاط لتصل على %16 من الثقة الكبير فقط يليها المنصف المرزوقي بـ%14 وقد خسر هو كذلك 5 نقاط .
• في الانعدام الكلي للثقة:
«الحزام السياسي «الماضي يحصد كل الألقاب
في مؤشر الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات السياسية يفوز بقصب السباق مرة أخرى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمد بـ%87 وهي أعلى نسبة يحصل عليها بما يفيد تجميع كل غضب التونسيين حول شخصه ثم يليه سيف الدين مخلوف زعيم ائتلاف الكرامة بـ%80 فعلي العريض نائب رئيس حركة النهضة بـ%74 ثم هشام المشيشي رئيس الحكومة السابق بـ%73 فنبيل القروي رئيس قلب تونس بـ%71 أي أن الحزام السياسي السابق هو الأبعد اليوم ،عبر رموزه الأساسية عن قلب التونسيين وفي الحقيقة هذه الوضعية سابقة عن 25 جويلية ولكنها تدعمت بعد هذا التاريخ .
• ثقة التونسي في مؤسسات الدولة
تواصل المؤسسة العسكرية تصدر مؤشر الثقة بما يشبه الإجماع (%98 من الثقة منها %95 من الثقة الكبيرة ) والجديد هنا هو صعود رئاسة الجمهورية إلى المرتبة الثانية بـ%93 من بينها %78 من الثقة الكبيرة فالمؤسسة الأمنية بـ%88،أي الثالوث المخطط والمنفذ لقرارات 25 جدويلية .
الملاحظ هنا انه لا وجود لتراجع يذكر بالنسبة لبقية الهيئات والمؤسسات باستثناء الأحزاب السياسية التي لا تحظى إلا بثقة %15 من التونسيين من بينها %4 فقط من الثقة الكبيرة متبوعة بمجلس النواب بـ%13 من الثقة من بينها %5 من الثقة الكبيرة .
• خلاصات أولية
لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن هذه الصورة الفوتوغرافية لمعنويات التونسيين وآرائهم في الاحداث الهامة التي جدّت بالبلاد إنما تم تسجيلها في ذروة الفرح بانهيار المنظومة السابقة وفي ذروة الآمال المعلقة على هذه المرحلة الجديدة .
نحن إذن في لحظة شبه مطلقة يتباعد فيها السلبي(المنظومة السابقة) مع الإيجابي (الحالة الراهنة) إلى الأقصى،ولكن هل ستتمكن الحالة الراهنة وهي حالة الاستثناء من تحقيق هذا الكمّ من الطموحات المتعددة والمتناقضة في آن واحد ؟ وحده المستقبل القريب قادر على تقديم الإجابة ،ولكن يمكننا القول منذ ألان أننا في ذروة هذه الموجة وأن النزول هو مآلها الطبيعي،ويبقى السؤال : هل سيعصف هذا النزل بهذه الفرحة الشعبية التلقائية أم سيكتفي بتنسيبها فحسب ؟
• نوايا التصويت في التشريعية: بروز «حزب قيس سعيّد»
74،6 ٪ لا يدلون بنوايا تصويتهم
• نوايا التصويت في الرئاسية:
حالة شبه إجماعية
23،9 ٪ لا يدلون بنوايا تصويتهم
كيف سيصوت التونسيون لو جرت الانتخابات العامة غدا ؟ هذا السؤال التقليدي لكل عملية سبر آراء نوايا التصويت جاء هذه المرّة في وضعية خاصة للغاية تغيرت فيها بصفة جذرية المعطيات السياسية والنفسية في آن واحد .
المهم هنا هو أن نقيس الفارق الواضح بين وضعيتين التشريعية والرئاسية .
الملاحظة الأساسية أن ثلاثة أرباع المستجوبين (%74.6) في التشريعية لا يدلون بنوايا تصويتهم بينما يحصل العكس تماما في الرئاسية إذ تنزل هذه النسبة إلى ما دون الربع (%23.9) .
ما الذي يعنيه ذلك ؟
نحن هنا في ذروة الارتياب من البرلمان ومن المنظومة الحزبية وفي مهجة رئاسية بل رئاسوية واضحة .
لو جمعنا الأصوات الافتراضية لكل القائمات في التشريعية لكان المجموع في حدود 2237 ألف صوت بينما يحرز قيس لوحده في الرئاسية على حوالي 4924 ألف صوت وهذا يكفي لوحده للتدليل على المهجة الرئاسية المتعاظمة لدى الرأي العام التونسي .
في التشريعية مازال الحزب الدستوري الحر في الصدارة بـ%30.8 ولكنه لا يحرز افتراضيا إلا على حوالي 554 ألف صوت أي نصف العدد الذي كان يحرزه في الأشهر الفارطة ،أما حركة النهضة فنراها قد تدحرجت لأول مرة منذ 2011 إلى المرتبة الثالثة بـ%10.9 من نوايا التصويت وبحوالي 196 ألف صوت أي دون النصف بكثير ممّا كانت تحققه – افتراضيا دوما –قبل 25 جويلية .
العنصر الجديد ،هذه المرّة،هو البروز التلقائي لحزب لا يوجد بعد وهو ما يسميه التونسيون تجاوزا بحزب قيس سعيد والذي يحوز على %20.1 من نوايا التصويت بحوالي 361 ألف صوت ،أي أننا انتقلنا بعد 25 جويلية إلى معطى جديد في الطلب الانتخابي قد يفضي لو ناسبه العرض السياسي إلى استقطاب من نوع جديد بين الدستوري الحرّ وأنصار قيس سعيد مع ديناميكية انتخابية لا تخدم صالح المتقدم الآن .
بطبيعة الحال لا شيء يفيد بأن قيس سعيد سينشئ حزبا أو ما يشبه الحزب ولكن الطلب موجود وقد يغري هذا صاحب قرطاج والرجل القوي في البلاد إلى التفكير في السيطرة على المشهد البرلماني القادم .
«حزب» قيس سعيد هو مطلب واضح لشباب الطبقة الشعبية ولكن من السابق لأوانه الحديث عن سوسيولوجيا هذا الطلب بدقة ما لم تتحدد بالوضوح الثاني معالم العرض الممكن لكائن سياسي يكون الأداة الشعبية والنيابية لصاحب قرطاج.
لو جرت الانتخابات الرئاسية غدا لسحق قيس سعيد كل خصومه بصفة قل إن نجد لها نظيرا إلا في النظم الاستبدادية ولكن تجاوز رئيس الدولة لعتبة %90 من نوايا التصويت (%91.4) ليس ناجما ، الآن،لا من ترهيب المعارضين أو من تزوير صناديق الاقتراع ..
لاشك أننا أمام صورة فوتوغرافية ستتغير كثيرا خلال الأشهر القادمة إذ ستكون شعبية قيس سعيد على محط كل الأحداث وكل المطالب الاقتصادية والاجتماعية ..سيستفيد قيس سعيد من كل النجاحات (كعمليات التلقيح المكثفة) ولكنه سيكون أيضا مسؤولا عن كل الصعوبات والمشاكل وخيبات الأمل أيضا ..
رصيد قيس سعيد مرتفع للغاية اليوم ولكنه مضطرا للإنفاق منه ..والسؤال هنا هو إلى مدى؟ وهل سيبقى له ما يكفي من رصيد لمواجهة منافسة انتخابية تعددية في الأشهر أو السنوات القادمة ؟
ذلك هو السؤال .
الجذاذة التقنية للدراسة
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 1707 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2.4 - تاريخ الدراسة: من 4 أوت إلى 13 أوت 2021