في مطلع السبعينات وفيها تلقت تعليمها الابتدائي أما تعليمها الثانوي فكان في المنستير والتعليم العالي في كلية الآداب بسوسة التي منها تخرجت أستاذة للغة العربية.وهي قصاصة وروائية في رصيدها 3 مجموعا قصصية(لو يتكلم الصمت/إيقاع الحياة/مفترق) وروايتان : « أحلام متقاطعة» ثم «مرايا الغياب» التي توجت بالكومار الذهبي.
«المغرب» التقت مع الروائية نبيهة العيسي فكان هذا الحوار:
• في البداية هل لك أن تعرّفي القارئ بالمسيرة الأدبية للروائية نبيهة العيسي؟
للإنسان بالكتابة نسب وصلة. والعائد إليها كالعائد من الغربة إلى وطنه الأوّل، الكلمات. لا أنكر أنّ أرض العبارة لم تكن يوما أرضا صلبة وساكنها كالمعلّق أبدا في فضاء متوتّر ومشدود .لكنّها الأرض الوحيدة التّي إذا ما وهبناها أنفسنا، صالحتنا مع الدّنيا والنّاس.
من هذه الأرض أرض اللّغة أقدّم اليوم نفسي: أنا نبيهة العيسي. تخرّجت من قسم العربية في كلّية الآداب بسوسة. واشتغلت أستاذة في ذات الاختصاص لسنوات عديدة في مدن تونسيّة مختلفة. علاقتي بالكتابة اتضحت معالمها بعد الثورة. فمن رحمها وجدتني ألقى في العالم السّردي وأمنحه كلّ طاقتي على الحبّ والعطاء. فكتبت في القصّة وكتبت في الرّواية
• ماذا يمكن أن نعرف عن إصداراتك الأدبية؟
أصدرت في القصّة ثلاث مجموعات قصصية هي على التوالي:
- لو يتكلم الصّمت: 2012
- إيقاع الحياة: 2015
- المفترق: 2018
وأصدرت في الرّواية:
- مرايا الغياب: (متحصلة على الكومار الذهبي)2016
- أحلام متقاطعة: 2021
• كيف جئت إلى عالم القصّة والأدب؟
جئت إلى هذا العالم من سفر طويل. فالذّاكرة مدينة عيونها لا تنام. ومن أضوائها المبعثرة اكتشفت في ذاتي هذا السبيل:
من جدّة حكّاءة تجد متعة في سرد القصص، من أمّ معلمة زرعتني في اللّغة ورحلت مبكّرا، من دبيب قلم رصاص في يد أب يصمّم بيوتا على ورق شفّاف ويجعل الحياة جملة من الممكنات اللاّمتناهية، من ولع قديم بالرّسم ودراسة في شعبة الآداب قسم عربية... ثمّ من مطالعات عديدة كنت أملأ بها فراغ الوقت وأنسج بفضلها صلات مساءلة مع الواقع.
من كلّ هذا كتبت وكانت كتاباتي مقتصرة في البداية على خواطر ويوميّات، حتّى أتت الثورة التي تزامنت مع التحاقي بالنادي الأدبي « الهادي النعمان» وهو ناد كان يشرف عليه الدكتور محمد البدوي، أستاذي الذي حظيت بدعمه وتشجيعه. في تلك الأيّام خرجت إلى النّور أولى محاولاتي القصصيّة. وقد تقدّمت ببعضها إلى مسابقات أدبيّة فنالت جوائز محليّة. وهذا ما شجّعني على نشر مجموعتي الأولى: «لو يتكلم الصمت».
• أنت تكتبين في القصّة والرواية، فما الأقرب إليك؟
النّصوص الأدبيّة لا تكتب كما يريد لها كتّابها أن تكتب، وإنّما كما تريد هي لنفسها أن تكون. فما تنوّع الأشكال السّرديّة إلاّ تعبير عن لحظات وعي تدفع المبدع إلى التفاعل مع العالم بعيون جديدة وتحثّه على البحث في الشكل التعبيري الأنسب الذي يستجيب للمتغيرات الطارئة عليه.
ولعلّ الحراك الاجتماعي والفكريّ الذّي رافق ثورات الرّبيع العربي هو الذي دفعني إلى الكتابة في جنس القصّة القصيرة. ففي القصّة نصغي إلى ارتطام الحدث بالواقع، وفي القصّة صرخة وتمرّد وانقلاب...هي الكلّ في جزء دون استطراد في التفاصيل وهي الحياة في شموليّتها وتوهجها.
لكن الحياة ليست حدثا منفردا وكثيرة هي الجزئيات التي تتطلّب من الكاتب تأمّلا وتدبّرا . وفي هذا المجال تعتبر الرّواية ملجأ. فشيطانها يسكن في التفاصيل.إنّها الكلّ يبنى من مجموع الأجزاء وهي الأقدر على جعلنا نستوعب الواقع في جزئياته المتباينة.
وهكذا فلا أفضلية لديّ بين القصّة والرّواية إلاّ بقدر ما يستجيب هذا الجنس أو ذاك إلى متطلبات اللّحظة الأدبيّة التي أكتب.
• في ما نشرت من أعمال قصصيّة وروائيّة، ما هي أبرز المشاغل التي تطرّقت إليها؟
تصوّر الرواية أحاسيس الكاتب وانفعالاته وتنقل لنا انشغاله بقضاياه اليوميّة والمصيريّة في مجالات عديدة. وكلّما أنصت الكاتب إلى همس الشّارع وفوضاه وقلقه كلّما كان أقدر على رسم عالمه المتخيّل.
أمّا عن النصّ الذي أكتب فأراه يدور في فلك مشاغل عديدة منها ما يرتبط:
- بالمشاعر الإنسانيّة: كالحبّ وأسئلته التي لم تطرح بعد. إذ لطالما تنزل في خانة المقدّس في حين أنّه مخترق بنزعات كثيرة كالرغبة في الامتلاك أو الحاجة إلى سدّ النقص. وقد تناولت بعض هذه الأسئلة في «أحلام متقاطعة»
- ومنها ما هو موصول بالجانب الاجتماعي: كالقدرة على التّواصل مع الآخر. وما صدى ارتطام الأصوات في أحلام متقاطعة كذلك تعطّل العلاقة بين منيار وعائلتها في «مرايا الغياب» إلاّ نماذج دالّة على هشاشة نفسيّة كانت سببا في تقطّع العلاقة بين الشخصيات.
- ومنها ما يدور في فضاء السياسي: كإشكاليّة الحريّة في فضاء سلطويّ يضيّق الخناق على الشخصيّة ويقيّد حركتها. والسلطة سلطات منها سلطة المجتمع الذّكوري وسلطة التقاليد والسّلطة الحاكمة. وهي مواضيع مطروحة في مرايا الغياب. وعن موضوع الحريّة يتولّد موضوع العنف وأهمّه ما كان مسلّطا على المرأة.
قد تضفي هذه المشاغل على النصّ مسحة كآبة أو حزن غير أنّها تبقى رغم كلّ شيء علامة صحّة مادامت غايتها إخراج الفرد من عزلته وبناء حوار بديل يلبي تطلعاته إلى عالم أفضل.
• الرواية روايات فهناك الرواية الواقعيّة والرواية التاريخيّة والرواية الخياليّة وغيرها فأين تصنّفين أعمالك الروائيّة؟
التّصنيف عمل يأتيه النقّاد من باب الفصل المنهجي كأن تتحدّث عن حياة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية في حين أنّ الحياة هي كلّ هذا.
والرّواية بالنسبة إليّ هي الشجرة التي تحمل ذاكرة الغابة- الحياة. فأنت تجد فيها من الواقعي مثلما تجد فيها من الخيالي العجائبي الذي يعكس صورا مفككة لا منطق يحكمها ولا عقل. وقد تقف فيها على رواسب تاريخيّة ترسم زمنا لولبيّا دون أن تكون بالضّرورة رواية تاريخيّة. مثلما تجد فيها من السياسيّ دون السقوط فيه مباشرة.
إنها رواية تحاول أن تنأى بنفسها عن التصنيف ولا تهتمّ إلاّ بالإنسان ذلك المغترب الباحث لنفسه عن موقع في الوجود. وعن معنى يبرّر كينونته رغم خيباته المتتالية. والشخصيّة الروائيّة في نصّي شخصيّة إشكاليّة تعاني من تمزق بين ماض مثقل بالذّكريات وحاضر مقيّد بالكوابيس ومستقبل ضبابيّ رواية تتخذ من الغضب وسيلة للمقاومة لبناء ذات متحرّرة من القهر والتبعيّة والاستلاب.
• كيف تبدو لك السّاحة الأدبيّة في بلادنا بعد 2011
لا تمثل الفواصل الزمنية بالضّرورة فواصل حضاريّة بالمعنى العميق للكلمة حتّى تصاحبها لحظات وعي عميقة وبرامج إصلاحيّة تأتي من قبل القائمين على المجال الثقافي لتترجم ذلك الوعي إلى مشاريع فاعلة في السّاحة الأدبيّة.
وما أراه أنّ الثورة قد غيّرت شكل الواقع إذ جاءت تنادي بحريّة التعبير.
إلاّ أن التغيير السّريع لم يواكبه بالضرورة وعي بقيمة الكلمة ودورها الحضاري في بناء كيان الإنسان وهويته. وأدّى غياب الرّقابة النقديّة إلى كثرة المتكلّمين في مجال الأدب شعرا ونثرا. وقد ساهمت وسائط الواقع الافتراضي في هذه الطفرة فسالت آلاف الأقلام على الفضاء الأزرق ترسم ألوانا من النّصوص لا مقياس لجودتها سوى عدد علامات الإعجاب التي تسند للمنشور لترفع صاحبه إلى مرتبة الشعراء أو الكتاب.
لست هنا لأصدر أحكاما على أحد أنا نفسي من جيل ما بعد الثورة. وأجدني أتعثّر وسط هذه الفوضى. لكن ما يزعجني هو تضخم أنوات عديدة لا دليل على وجودها الثقافي أو الأدبي سوى قدرتها على السياحة الثقافية واستجابتها لقانون العرض والطلب الذي يمارس في هذا الفضاء
أمّا ما يحيّرني فعلا فهو كيف لبعضهم أن يفكّر وسط هذه الفوضى؟ ثمّ كيف لمن يسبق لسانه أو قلمه تفكيره وتدبّره أن يقدّم عملا مثمرا لغيره؟؟
الروائية نبيهة العيسي لـ«المغرب»: الثورة غيّرت شكل الواقع الأدبي في بلادنا
- بقلم الحبيب بن فضيلة
- 12:03 06/08/2021
- 1157 عدد المشاهدات
• القصة هي الحياة في شموليتها وتوهّجها
• ما أكتبه يدور في فلك مشاغل عديدة
تعتبر الروائية نبيهة العيسي صوتا أدبيا متميزا بالهدوء والعمل في صمت.هي أصيلة المنستير لكنها من مواليد نابل