كان بلا منازع رجل المشهدية التي تحجب حقائق الأمور. من ذلك ما تم امس في لقائه مع زهير المغزاوي الذي استمع لكلمات الرئيس وتأكيد انه على العهد باق لم يغير شيئا من موقفه.
يبدو ان فهم سياسة الرئيس قيس سعيد وخطاباته لا يتم الا اذا وقع التعامل معها على انها «احجية» تجمع اجزاؤها من مناطق عدة، من خطابه وتحركاته ولكن بالاساس مما لم يقل ويقوله خصومه ومن تفاوضوا معه.
لهذا فان الاقتصار على تناول لقاء الرئيس مع الامين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي عند مستوى ظاهر القول الذي القاه لضيفه، قد يكون غير منصف لفهم ما يحدث، بل يجب الربط بينه وبين ما لم يلقه الرئيس وما قاله غريمه راشد الغنوشي اول امس في تسجيل فيديو بعد لقائهما في قصر قرطاج.
فالاقتصار على ما قاله الرئيس والاكتفاء بتصريحه انه «يلتقى من يريد» وان لقاءاته لتبادل وجهات النظر في القضايا الجوهرية، وانها من اجل حلول ناجعة ودائمة وليست حلولا ترقيعية، وان لقاءاته ومشاوراته تهدف الى حل الازمة دون حاجة لوسيط او وساطة أو حلول وسطى.
الاكتفاء بهذا القول الصادر عن الرئيس قد يكون ممهدا للوقوع في سوء الفهم، وسوء الفهم هو اعتبار ان ما قاله الرجل وحتى وان استعمل ذات المعجم وتمسك بانه لا يقبل المساومات وانه باق على «الحق» وانه وان اتفق مع غيره فان ذلك الاتفاق من اجل الشعب التونسي ومطالبه. هو جوهر المنطوق والمسكوت عنه.
الخطأ، هنا ان الرئيس وبكلماته التي القاها على مسامع المغزاوي ولحظات التشنج التي انتابته، يكشف عن انه في طور عملية مشهدية يريد منها ان تمهد لما هو قادم، والقادم مناقض لما يصرح به لذلك فهو يعمل من اجل تجميله وتخفيف وطأته على انصاره.
فالرئيس الذي يشدد على انه ليس في خلاف مع أي كان لاسباب شخصية بل هو في خلاف مع منظومة برمتها لانها «تنكل بالشعب» الذي يعمل على ان يحرره من استغلال منظومة تقوم على حكم «جهات خفية» دفعت الى ان تنحرف الثورة عن اهدافها من اهداف اقتصادية اجتماعية الى معارك الهوية والدين.
وهنا يلمح الرئيس الى من هم في هذه المنظومة ولكن بالتركيز على شخصية وحيدة، وهي نبيل القروي الذي المح اليه وهو يقول انه لا يرغب في تصفية حساب ولكن «هناك من مكانه السجن لعبثه بمقدرات الشعب التونسي» وان البعض انتقل من مدعى عليه الى شاك، والحال ان الادلة تدينه وتكشف عن تجاوزاته.
تشديد على معادة المنظومة وعلى ان الدستور مليء بالمطبات والفصول التي ساهمت في تعطيل عمل المؤسسات وعلى البقاء على العهد والثبات على الموقف، هي تكرار لعناصر خطاب الرئيس الذي لم يتطرق امس بشكل كلي إلى لقائه مع رئيس مجلس النواب.
صمت عن اللقاء وتجنب للخوض فيه او نفي اي تقارب بينه وبينه راشد الغنوشي، رغم ان الاخير اطل قبل ساعات من لقاء الرئيس بالمغزاوي ليعلن عن وصوله مع الرئيس الى توافق شبهه بـ»توافق باريس»، لكن الصمت وعدم النفي او التأكيد هنا يصبح عنصرا في مسار فهم خطاب الرئيس.
فالرئيس وبتجاهله المقصود للتطرق إلى لقائه بالغنوشي وللتعقيب على ما قاله الاخير، يساعد على الفهم والتحليل، والقصد هنا ان الرئيس وهو يشدد لسامعه ومن خلفه بقية انصاره الذين سيتلقفون الخطاب، على انه لم يغير من مبادئه ومواقفه وقراءته، غفل عن ان ينفى وجود صفقة بينه وبين الغنوشي.
اغفال لا معنى له الا ان الصفقة موجودة وان الرئيس لا يود افشالها ولا الاعلان عنها الان كي لا يفقد انصاره ومن بينهم حركة الشعب التي لم يبق له غيرها بعد ان دفع بالجميع الى الانفضاض من حوله، على غرار الاتحاد والتيار الديمقراطي واخرين.
عزلة لا يرغب فيها الرئيس لذي يقوم بتقديم مشهدية تستجيب لانتظار الانصار وتلبي حاجتهم، دون ان يقطع الطريق على تقاربه مع رئيس النهضة، اي اننا امس كنا امام خطاب مشهدي يسوق إلى أن الرئيس لن يقبل بوساطة ووسيط ولا حلول وسطى، والحال ان الرئيس مضى في طريق التسوية. تسوية يبدو انها ستصل الى نهايتها الا ان تراجع الرئيس فجر المسار برمته، وهذا قد يكون ورادا القول بأن احد بمقدوره التنبؤ بخطوات الرئيس ولا بكيفة تفكيره.
قيس سعيد في لقائه مع زهير المغزاوي : مشهدية لتجميل التوافق مع الشيخ
- بقلم حسان العيادي
- 11:28 26/06/2021
- 1342 عدد المشاهدات
يابي رئيس الجمهورية قيس سعيد ان يمكن سامعه من فهم ما يدور في ذهنه بشكل واضح وصريح فهو على امتداد عهدته الرئاسية