وتحدث وتلحق به ما تراه صالحا لها غير آبهة بان طريقة تعاطيها مع ماضيها وإنكارها لجزء منه يعزز المخاوف والهواجس منها.
«من يجد منكم اخوانجيا فليأتني به» هذه الكلمات صدرت منذ يومين عن نور الدين البحري القيادي بحركة النهضة. الذي لم يكتف بمحاولة كتابة تاريخ جديد لحركته يحذف فيه كل ما قد يربط بينها وبين «الجماعة». بل تنصل من كل المواقف الرسمية التي اعلنتها حركته منذ 2013 في علاقة بالصراع في مصر بين نظام السيسي والإخوان المسلمين.
فالنهضة لا علاقة لها بالصراع في مصر وما يدور فيها، والنهضة ليست من «الاسلاميين» الذي هاجمهم الرئيس قيس سعيد من جامع الزيتونة لدى توجهه بكلمة تهنئة للتونسيين بحلول شهر رمضان، تهنئة استثنى منها الرئيس الاسلاميين وهو يقصد النهضة.
فكان رد الحركة على لسان رئيس كتلتها السابق نور الدين البحري انها لم ولن تنتسب الى الإسلاميين/ الاخوان. وشدد البحيري على ان النهضة حزب سياسي وليس جماعة وانها لم ولن تنتسب لتنظيم الاخوان المسلمين الدولي، وانها في حل من اي ارتباطات بهذه الجماعة او روافدها، فالنهضة حزب سياسي مدني تونسي منذ النشأة. ودليله على ذلك انها اليوم حزب قانوني وهي الحزب صاحب الكتلة الاولى في البرلمان كما انها ليست في صراع مع السلطة.
هذا التنصل من ارث الماضي البعيد والقريب ومحاولة اعادة كتابة مسار النهضة وجعله خاليا من الاخطاء والشوائب يستوجب من الحركة وجزءا من قياداتها انكار ما هو معلوم للجميع والاستعانة بمخارج فقهية تجعل من الكذب مباحا طالما ان هدفه اماطة الاذى عن الحركة.
فالنهضة ومنذ 2011 اعتمدت على هذه الذريعة لتعيد كتابة تاريخا الذي اخضعته لتقلبات الزمن عليها، فهي تنكر طورا وتتبنى وتدافع طور آخر، وما يحدد هنا هو تموقع وقراءاة الحركة لطبيعة المشهد السياسي العام.
ففي فيفري 2011 وتحديدا في اول ندوة صحفية اقامتها الحركة بقاعة البراق بالعاصمة اقر حمادي الجبالي بجزء من ماضي الحركة العنيف ولكنه قال انه اخطاء فردية وقعت دون العودة للقيادة كأحداث باب سويقة، ومنذ ذالك التاريخ والحركة تعدل وتغير من سرديتها تجاه ماضيها بما تراه صالحا لمجابهة الخصوم.
تلاعب المقص في ماضى النهضة استمر لعشر سنوات وأخرها ما اعلن عنه البحيري من ان النهضة لم تكن يوما «اخوانية» منكرا بشكل كلي ماض النهضة وعلاقتها مع «الجماعة» والتنظيم الدولي للاخوان المسلمين الذي ينشر في موقعه الرسمي مقالات وكتابات تبين ارتباط النهضة به.
لكن هذا كله ينتفى لدى الحركة التي وفي سبعينيات القرن الماضي بايعت التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وذلك في مكة اثناء موسم الحج وما تلا ذلك من محطات التقت فيها الحركة بالتنظيم الدولي قبل 2011 وجدت لها مكانا في كتابات راشد الغنوشي سواء بشكل معلن ومباشر او تبطينا وتلميحا. او في كلمته اثناء احياء ذكرى تأسيس الحركة حينما أشار الى انها نشأت «اخوانية» متأثرة بالشرق وكتابات نظرية للجماعات الاسلامية ومنها حسن البنا والسيد قطب.
علاقة جعلت النهضة تصطف في محاور اقليمية كان العنوان الاكبر للصراع بينها هو «الاخوان» واستمر الاصطفاف والدفاع الى غاية الثلاثاء الماضي حينما اطل البحيري ليعلن ان حركته لم تكن ولن تكون «اخوانية» لا فكرا ولا انتسابا لهيكل.
نفي ليس بالجديد فالنهضة نفت من قبل انها تقف خلف احداث باب سويقة التي كشفها كريم عبد السلام او انها كانت تستعد لانقلاب في 8 من نوفمبر 1987 كما ورد في كتاب القيادي بها الراحل المنصف بن سالم وغيرها من الاحداث والمواقف التي اعلنتها في بيانات وتصريحات وتنصلت منها لاحقا بمقولات تبريرية.
هذا البحث عن انكار الماضي ليس هروبا من تداعياته على الحركة بقدر ما هو محاولة تجنب لتاثير اقرار القيادات بأخطاء تعتبر انها ستؤثر على موقعها في الحركة في ظل صراعات داخلية ترغب الحركة في ترحيلها او وأدها بالاتكاء على «مؤامرات» الخارج التي تستوجب وحدة الصف واعادة كتابة التاريخ .