وإلى الطبقة السياسية التونسية ومفادها ان للنهضة «ثقلا في الشارع» إذا اراد الخصوم ان يحتكموا اليه. لكنها تفضل ان تمد بيمينها للحوار لتجاوز الازمة.
يوم امس كان يوما من ايام «النهضة» بامتياز وهو ما دفع رئيسها راشد الغنوشي للقول بان ما شهدته تونس امس «يوم تاريخي» ليعلن الرجل في مبالغة ان من شاركوا في المسيرة التي دعت اليها الحركة بلغ عددهم عشرات بل مئات الالاف.
فالرجل الذي رمى بصره من فوق المنصة شهد من فوقها ابناء حركته منتشرين في شارع محمد الخامس فعدهم بعشرات الالاف، وهو رقم يدرك رئيس الحركة ذاته انه مبالغ فيه، فالتقديرات الامنية التي قدمت امس لعدد من شارك كانت تحصر العدد بين 9 و11 الف مشارك.
لكن العدد وعلى اهميته لم يكن عنصر الحسم والمحدد امس، فالنهضة التي حشدت طوال اسبوع انصارها من مختلف الجهات سخرت لهم امكانياتها وكانت تراهن على ما تحمله المسيرة من «دلالات» لا على عدد من شارك فيها ولا الشعارات التي رفعت لتؤيد الحركة.
فما بحثت عنه النهضة في مسيرة امس مختلف كليا عما سوقته في الظاهر، وما قدمته على لسان قادتها على غرار رفيق عبد السلام ونور الدين الربعاوي وعماد الخميري في تصريحات لـ«المغرب» وهو ان الحركة نزلت لتنتصر للمؤسسات وللدفع الى احترام الدستور والحوار».
ثلاثي يحضر باشكال مختلفة وبتعبيرات متعددة على السنة قادة النهضة الذين اعتبروا ان النهضة لم تنزل للشارع لحشده ضد «طرف» بعينه لكن للانتصار للمؤسسات، وهنا تشمل القائمة البرلمان والحكومة والرئاسة. وهذا هو الخطاب المعلن من قبل النهضة الذي لا ينجح في اخفاء ما كشفته مسيرة امس.
اذ ان الحركة التي حشدت انصارها منذ بداية الاسبوع بخطاب مناهض لرئيس قيس سعيد ومدافع عن الحكومة، لم تحفظ هذا الخطاب الى النهاية فما قدمته، وقدمه رئيسها ورئيس البرلمان كان خطابا مختلفا بشكل لافت.
فالنهضة لا تدافع بكل حماستها عن الحكومة او عن الحزام البرلماني بل تدافع عن «وحدة وطنية» وعن ان تقوم كل مؤسسة بدورها المناط بعهدتها وفق الدستور، وهو ما عكسه خطاب راشد الغنوشي الذي شمل كل شي، من الحركة الوطنية الى الازمة الاقتصادية واستيراد الموز.
خطاب دام لاكثر من 20 دقيقة كانت لحظاته البارزة والقوية هي التي تتحدث عن «وحدة» تونس ووحدة شارعها وشعبها. وان الوضع الراهن يستوجب الوحدة لمجابهة الخطر خاصة وان الوضع الاقتصادي صعب.
خطاب لم يقدح في الرئيس ولم يشكر. بل بحث عن اخذ مكان وسط. بالإشارة الى دور الرئيس ومكانته وفق الدستور الجديد الذي افرزته الثورة، وهو دور يفرض عليه ان يكون جامعا للتونسيين دون اقصاء او تفريق.
خطاب راشد الغنوشي كان لينا مهادنا إذا تعلق بالرئاسة ولكنه حمل ما يمكن عده «لمزا وهمزا» لها. فالشارع الذي يمثل المشروعية ليس ملكا لطرف دون اخر. والنهضة بمئات الالاف الذين شاركوا وفق تقدير رئيسها تمتلك ثقلها في الشارع، ولكنه ثقل لخدمة تونس، كما وصفه.
هذا اللمز يراد منه نزع حجة المشروعية التي يستعملها قيس سعيد ضد النهضة والحزام البرلماني للحكومة، دون ان يصل الى مرحلة توتير العلاقة معه اكثر فالحركة اليوم ووفق ما تكشفه تبحث عن دفع الرئيس الى التوافق لا الى الصدام.
توافق يبدو ان قادة النهضة حسموا امرهم في محاوره، وهو لا يشمل حكومة المشيشي وان حرصوا في خطاباتهم الرسمية على غرار رفيق عبد السلام ونور الدين العرباوي وعماد الخميري، على اعلان تمسكهم بالحكومة، فان هذا التمسك مشترك مع قواعدهم التي شاركت امس في المسيرة.
ما كشفته المسيرة وان بشكل خفي، ان قواعد النهضة ينتصرون لحركتهم لا لحكومة المشيشي، فحينما رفعت شعارات تناصر الحكومة رفض المشاركون ترديدها في مناسبات عدة، وهو ما عكس مزاجهم العام الذين يدركه قادة الحركة ويتقاسمونه معهم.
ما قدمته المسيرة امس، ايا كان تعداد من شارك فيها وكيفية حشدهم له، هو ان النهضة تدفع الى بلوغ ارضية مشتركة مع الرئاسة تستجيب لشروط وضمانات من بينها ان ينتقل الرئيس قيس سيعد من مزاج المرشح الى مزاج «الرئيس» ويقبل بالتوافق مع النهضة على قواعد لعب جديدة.
حركة النهضة ومسيرة الثبات والدفاع عن المؤسسات : رسائل مشفرة إلى الرئيس سعيّد
- بقلم حسان العيادي
- 10:23 01/03/2021
- 1453 عدد المشاهدات
من وسط العاصمة التونسية وتحديدا من شارع محمد الخامس بالعاصمة وجهت حركة النهضة رسائلها المباشرة الى قصر قرطاج