ولا بدعوات «الفوضى»، مقاربة يريد من خلالها المشيشي كبح الغضب في الشارع والحيلولة دون ان تؤثر الأحداث على مشاوراته مع المؤسسات المالية الدولية.
اختار هشام المشيشي ان يقدم موقفه مما تشهده البلاد من احداث وتوتر المناخ الاجتماعي ببلاغ صدر امس حمل عنوان «رئيس الحكومة خلال اجتماع أمني: التحركات الليلية غير بريئة ولا مجال لبث الفوضى».
موقف رافض ومدين ومجرم للتحركات يبرز من عنوان البلاغ الذي صدر ليعلم التونسيين بان رئيس حكومتهم «أشرف امس بقصر الحكومة بالقصبة على اجتماع مع القيادات الأمنية العليا بوزارة الداخلية»، اجتماع خصص للوضع الامني الذي تشهده البلاد ليقدم عرضا امنيا عما جد. استمع اليه المشيشي واطلع على استعدادات مختلف الأسلاك الأمنية وفق البلاغ الذي حمل تجريما صريحا للمواجهات بين شباب في الاحياء الشعبية بعدة مناطق في البلاد وقوات امنية، تجريم عبر عنه المعجم المستخم في البلاغ «أحداث التخريب» و«عمليات اجرامية» و«منحرفين» ...
ادانة ووسم للمشاركين في الاشتباكات الليلية رافقه «تحية مجهودات أبناء المؤسسة الأمنية الغيورين على أمن وطننا، وأمن المواطن التونسي والذين يبذلون جهودا مضاعفة من أجل فرض الأمن والنظام» في مواجهة «أعمال النّهب والسرقة والإعتداءات على الممتلكات الخاصة والعامة» التي قال المشيشي انها «لا تمت بصلة للتّحركات الاحتجاجية».
التمييز بين التحركات الليلة والتحركات الاحتجاجية حمل معه اشارة من رئيس الحكومة الى انه يتعامل مع «التعبيرات السلمية التي يكفلها الدستور» بمقاربة مختلفة فهو يتفهّمها ويحاور اصحابها والشركاء الإجتماعيين لايجاد حلول تستجيب لتطلّعات التونسيات والتونسيين.
تميز بين التحركات الليلية والتعبيرات السلمية لم يفته استثناء ما اعتبره رئيس الحكومة «دعوات الفوضى التي تروج على صفحات التواصل الاجتماعي لبث الفوضى والاعتداء على المؤسسات الدستورية، مؤكّدا على مجابهتها والتصدي لها عبر القانون» في اشارة الى الدعوات الى التظاهر والاحتجاج والمطالبة باسقاط الحكومة وحل البرلمان.
هذا الموقف الذي عبر عنه بمفردات واضحة وصريحة حملت الادانة والتجريم للتحركات في الاحياء الشعبية التي شهدت احداث عنف واعتداء على املاك خاصة وعامة، لا يهدف من خلاله المشيشي الى التماهي مع مواقف حزامه السياسي الذي استخدم عبارات ومصطلحات مختلفة لادانة المواجهات والتشكيك في اسبابها والتلميح الى «مؤامرة».
وما يريده المشيشي من موقفه هو رسم صورة جديدة للمشهد السياسي التونسي تقوم على ان التحركات وحالة الاحتقان الاجتماعي التي عبرت عن نفسها في مواجهات ليلية في الاحياء الشعبية او في الاحتجاجات النهارية التي شهدتها العاصمة ومدنا تونسية اخرى، ليست الا «تحركات غير برئية» ودعوات للفوضى لا تعبر عن موقف التونسيين من سياسات حكومته ودعمهم لها.
فهشام المشيشي وببلاغه الصادر امس اعلن عن ان ما يحدث في تونس ليس احتجاجات ضد حكومته ولا سياساتها، بل هو سرقة وفوضى وتخريب. والقصد هنا ليس احتواء الاحتقان بل نفيه لرسم مشهد مستقر يمكن المشيشي من ادارة المفاوضات مع المؤسسات المالية واساسا صندوق النقد الدولي. اذ ان رئيس الحكومة ووفق ما كشفه بيانه سيراهن على المعالجة الامنية والقضائية بهدف كبح التحركات في الشارع وهذا في سبيل تاكيد ان «حكومته مستقرة» وستواصل عملها كما انها حكومة «قوية» يمكنها الذهاب في خيارات موجعة، وهي صورة يامل ان تكون مفصلية في الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد لضمان تمويل عجز الميزانية.
تمويل الميزانية هو ما يعتبره المشيشي الخطر الاكبر على حكومته ومستقبلها اما الاحتجاجات النهارية والمواجهات الليلية فليست الا «تشويش» قد يزعج لكنه غير خطير خاصة ان وقع «كبحه» في مهده باستعمال الامن والملاحقات القضائية أي ترهيب المشاركين فيها بعد وسمهم بالفوضويين والمجرمين لمنع التعاطف او اتساع قاعدة التحركات.
خيار المعالجة الامنية للاحتقان الاجتماعي يبدو انه ستكون له تداعيات على الرجل وعلى حكومته بعد ان سكب «البنزين على النار» وظن انه «يخمدها».
حكومة المشيشي و الاحتجاجات النهارية والمواجهات الليلية : إنكار الاحتقان والتعويل على المعالجة الأمنية لفرض الاستقرار
- بقلم حسان العيادي
- 09:21 21/01/2021
- 967 عدد المشاهدات
لا احد يحتج على سياسات الحكومة وفق رئيسها هشام المشيشي الذي اعتبر ان ما يحدث «تحركات غير بريئة» لن يقع السماح بها