مقابل انحسار حركة النهضة وصمود كل من قبل تونس وائتلاف الكرامة .أما في الرئاسية ورغم تراجعه الطفيف يتجاوز قيس سعيد مرة أخرى عتبة %50 فيما تؤكد عبير موسي مرتبتها الثانية.
من شهر إلى آخر تبرز لنا نوايا التصويت في التشريعية المعطيات (الوقتية دوما ) التالية :
• التقدم الكبير للحزب الدستوري الحرّ في التشريعية على حساب حركة النهضة حيث وصل الفارق بينهما إلى حوالي عشرين نقطة كاملة (%36.9 للدستوري الحر مقابل %17.2 للنهضة ).
• استمرار صمود صاحب المرتبة الثالثة قلب تونس بـ%11.4
• إحداث ائتلاف الكرامة الفرق مع بقية الأحزاب واحتلاله الصريح للمرتبة الرابعة بأريحية نسبية (%8.4) أمام التراجع المستمر للتيار الديمقراطي صاحب المرتبة الخمسة بـ%4.4
• رغم تراجعها بثلاث نقاط ونصف خلال شهر واحد تبقى نسبة غير المصرحين بنوايا تصويتهم في التشريعية مرتفعة للغاية : %71.1.
نقول ونؤكد مرة أخرى أن سبر آراء نوايا التصويت إن هو إلا صورة فوتوغرافية للحظة الراهنة وعليه فهو لا ينبئنا بالفائزين والخاسرين في الانتخابات القادمة ولكن بموازين القوى السياسية اليوم وبالاتجاهات العميقة للرأي العام كذلك .
لاشك أن نسبة الذين لا يدلون بنوايا تصويتهم اليوم مرتفعة للغاية (%71.1) ولكنها أفضل بثلاث نقاط ونصف لو قارناها بالشهر الفارط بما يفيد أن الاهتمام بهذه الانتخابات التي تفصلنا عنها - نظريا على الأقل - حوالي أربع سنوات بصدد التنامي ،وان هذا الجزء الذي يعبر عن ميولاته السياسية يرغب في تغيير التوازنات الحالية رأسا على عقب ،وهو لا يعاقب حركة النهضة فقط بل جلّ الأحزاب التي أحرزت على مواقع متقدمة في انتخابات أكتوبر 2019 .هكذا ينبغي أن نفهم – فيما نعتقد – التقدم الكبير للحزب الدستوري الحرّ في نوايا التصويت والذي يحقق في شهر ديسمبر هذا رقما قياسيا جديدا بـ%36.9 وهو يحسن بذلك رقمه في الشهر الفارط بنقطة ونصف بينما راوحت حركة النهضة مكانها ونسبتها بـ%17.2 مسجلة بذلك أكبر فارق بينها وبين غريمها السياسي الذي يشارف الآن على عشرين نقطة .
والدستوري الحرّ لا يتفوق فقط على حركة النهضة من حيث نوايا التصويت بل يجمع حول يافطته ما يساوي بالضبط مجموع الترويكا الجديدة (النهضة وقلب تونس وائتلاف ) التي تكتفي مجتمعة بـ%37 من نوايا التصويت فقط .
اللافت للنظر كذلك أن حزب قلب تونس مازال صامدا إلى حدّ ما رغم خسارته الواضحة لرهان تمثيل العائلة الوسطية الدستورية ولكنه مع ذلك يربح حوالي النقطتين ويصمد في المرتبة الثالثة بـ%11.4 من نوايا التصويت ،ولعله الآن يتصيد عثرة للدستوري الحرّ حتى يعود الى سباق الطليعة بصورة أفضل من الآن .
• حركة النهضة بين مطرقة الدستوري الحر وسندان ائتلاف الكرامة
تجد حركة النهضة اليوم نفسها أمام أعسر امتحان لها منذ الثورة فهي رغم التراجع المستمر لنتائجها الانتخابية : %37 في 2011 و%27 في 2014 و%19 في 2019 هذا فيما يتعلق بالانتخابات المجلسية أو التشريعية دون أن ننسى %13 في الدور الأول لرئاسية 2019 ،ولكن في كل مرّة وسواء أتقدمت بقوة (2011) أو بصفة نسبية (2019) أو حتى خسرت الريادة (2014) فهي قد تمكنت دوما من لعب دور محوري داخل قبة باردو وخارجها ،ولكن لو حصلت انتخابات تشريعية غدا فقد تخسر هذا الدور ولأول مرّة منذ الثورة ..
فالنهضة ليست مهددة فقط بهزيمة قاسية أمام حزب عبير موسي ولكنها مهددة أيضا بنوع من التهميش الإضافي نتيجة نوايا التصويت المرتفعة نسبيا لائتلاف الكرامة.فنحن أمام ظاهرة سياسية (ائتلاف الكرامة) لا تكمن خطورتها بالنسبة للنهضة في النوايا السياسية لرموز هذا الائتلاف فهم من مناصريها أكثر من القيادات النهضوية ذاتها بل من جاذبية فكرة ائتلاف الكرامة لجزء هام من القاعدة الانتخابية الصلبة للنهضة بحكم جاذبية خطاب وممارسات هذه الاسلاموية الراديكالية المتحررة من قيود «الكياسة» السياسية .
فهذا الائتلاف الذي تأسس على عجل بين بقايا روابط حماية الثورة والسلفية الحركية المتشددة أشهرا قليلة قبل انتخابات 2019 قد تمكن بفضل هذه الراديكالية الملامسة دوما للبلطجية من الاستحواذ على حوالي ثلث القاعدة الانتخابية النهضوية ولاسيما الشبابية منها..وبما أن الشهية تأتي مع الأكل فلا شيء يمنع هذا التيار الراديكالي من الرغبة اليوم أو غدا في الهيمنة على الساحة الاسلاموية باعتباره الأقدر على محاربة «الثورة المضادة» والحزب» الفاشي» الصاعد» و»الزغراطة» عبير موسي.وهكذا تجد النهضة – أو ما تبقى منها – بين فكي كمّاشة فإما أن تنجذب إلى اليمين المتطرف فتخسر بذلك حلمها في تمثيل المحافظين أو أن تنخرط نهائيا في نوع من المحافظة المعتدلة فتخسر كل قدرة على استيعاب الاسلاموية الراديكالية
• انحسار البقية
يبدو أن الخاسر الثاني الأكبر بعد حركة النهضة هو أحزاب ما يسمى بـ«الخط الثوري» وخاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب والمتحالفين اليوم برلمانيا في «الكتلة الديمقراطية».
لقد تمكن التيار الديمقراطي وحركة الشعب من تحقيق أفضل نتائجهما في تشريعية 2019 ولكن يبدو أنهما لم يتمكنا – إلى حدّ الآن – من البناء على هذه المكتسبات ومن الارتقاء الى مستوى أعلى يسمح لهما بالمنافسة الجدية على المراتب المتقدمة .
التيار والشعب هما كذلك من ضحايا الصعود الصاروخي لحزب عبير موسي المعادي بوضوح للحركة الاسلاموية في كل تجلياتها ممّا افقد كل ناقدي النهضة - كالتيار والشعب- مساحة سياسية للبروز ولكن المفاجأة الكبرى تكمن ولاشك في غياب ما يسمى بحزب قيس سعيد أي في عدم تحول ولو جزئي من الثقة الكبيرة التي مازال يحظى بها رئيس الجمهورية إلى مشروع سياسي يتجاوز شخصه على عكس ما هو حاصل مع الصافي سعيد حيث يأتي حزبه الافتراضي في المرتبة السابعة في الإجابات التلقائية للعينة ويحظى بـ%2.7 من نوايا التصويت وهي نسبة مهمة لحزب لم يولد بعد.
نوايا التصويت في الرئاسية:
قيس سعيد منذ الدور الأول رغم
تواصل تراجعه
الملاحظة الأساسية في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية هي تواصل تراجع قيس سعيد والذي فقد من خلال هذا الشهر أربع نقاط جديدة ليكون في مستوى %51.3 وليقترب - افتراضيا بالطبع - من الاضطرار إلى المرور إلى الدور الثاني .عندما نعلم أن قيس سعيد قد تجاوز %70 (%71.0) في نوايا التصويت في الرئاسية في شهر جوان الماضي نرى مدى التراجع المستمر لصاحب قرطاج الذي خسر عشرين نقطة كاملة في ستة أشهر فقط.
لاشك انه لا توجد إلى حدّ الآن منافسة جدية لقيس سعيد مادامت صاحبة المرتبة الثانية عبير موسي على بعد 39 نقطة كاملة بتحقيقها و%12.6 من نوايا التصويت ولكن الفارق بين الاثنين كان في حدود 66 نقطة في شهر جوان الماضي .
إلى متى سيتواصل تراجع قيس سعيد وماهي حدود تقدم عبير موسي ؟ لا احد باستطاعته الإجابة اليوم ولا ندري هل سيقع التقاطع بين مسار النزول لقيس سعيد ومسار الصعود لزعيمة الدستوري الحرّ أم لا ولكن الواضح أن الطريق المفتوح الذي كان يسير فيه في سعيد لوحده بصدد الانحسار وأننا إزاء مواجهة قادمة كذلك بينه بين زعيمة الدستوري الحرّ..
نحن بصدد ملاحظة غليان سياسي في كل الاتجاهات ولكن لا يعلم أحد اليوم كيف ستكون المآلات.
الجذاذة التقنية للدراسة
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 2031 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2.2
• تاريخ الدراسة: من 9 إلى 12 ديسمبر 2020