يكون فيه للمثلي الجماعات المحلية سلطة تامة على الفضاء الجغرافي الخاضع لهم. وقد يكون مثال بلدية الكرم أفضل ما يبرز هذا الخلط المقصود.
وفق رواية فرع الرابطة التونسية لحقوق الانسان بتونس الشمالية، اقدم رئيس بلدية الكرم فتحي اليعوني على اقتحام مقرها بمنطقة الكرم يوم الجمعة الفارط مصحوبا بعدل تنفيذ عاين عملية اخراج المحتويات وتغيير اقفال الابواب وازالة اليافطة من على المقر.
مقر فرع الرابطة الذي منح لها في من قبل المجلس البلدي الراهن وقع طردها منه بقرار من رئيس البلدية الحالي فتحي العيوني الذي اقدم وفق وصف الرابطة على فعل غير قانوني اعتبرته استهدافا لها من قبل رئيس بلدية المكان الذي ينفى الرواية ويقدم راوية مغايرة مفادها ان الفرع الشمالي للرابطة لم يقم بانشطة طلية تحوزه على المقر (انظر الحوار).
وعليه قرر رئيس البلدية ان يطبق القانون وخاصة الفصل 111 من مجلة الجماعات المحلية ، مجلة تمنح الجماعات المحلية صلاحيات من بينها صلاحية التدبير الحر، الذي يبدو انه بات ينحرف تدريجا الى «حكم ذاتي» بمقتضاه توسع الجماعات المحلية من سلطتها وتذهب اشواطا ابعد.
واقعه فرع الرابطة وان كانت تقدم من قبل المجلس البلدي على انها في اطار القانون، وهو لا يناقش، الا انها ايضا في اطار تصوزر كامل للسلطة المحلية ولحدود الصلاحيات والنفوذ، اذ ان الجماعات المحلية/ البلديات ومنذ الانتخابات المحلية 2018 كشفت عن خلل في فهم مجلة الجماعات المحلية. فهم يجعل من المجالس البلدية تقدم على سياسات تتناقض مع السياسة العامة للدولة التونسية، على غرار احداث صناديق للزكاة كما جد في بلدية الكرم منذ سنة ونيف رغم اسقاط مجلس النواب لقانون بهذا الصدد، ولكن المجلس البلدي ورئيس البلدية ومن منطلق التدبير الحر للجماعات المحلية احدثا صندوقا للزكاة وقع نسخ تجربته في بلديات اخرى.
صندوق الزكاة ليس فقط ما كشف عن خطر الفهم السيء لمجلة الجماعات المحلية وفصولها التي تركز مفهوم السلطة المحلية والتدبير الحر، اذ ان بلدية الكرم ايضا وفي واقعة سابقة في 2020 اعلنت عن صدام مع رئاسة الجمهورية على خلفية اداء الرئيس لصلاة الجمعة في احد مساجد المنطقة دون «تنسيق» مع السلطة المحلية وفق قول رئيس بلدية الكرم.
تنسيق طالبت به البلدية التي اعتبرت ان الرئاسة تجاوزت القانون والدستور باعتدائها على صلاحيات وسلط الجماعات المحلية، وهنا لم يقع الذهاب بعيدا اذ تجاهلت الرئاسة الرد وترك المجال لوزارة الشؤون المحلية لتعلق بان ما اتته بلدية الكرم انحراف بمفهوم التدبير الحر والصلاحيات التي منحتها المجلة للبلديات. اي ان التدبير الحر اسيء فهمه ليكون بمثابة حكم ذاتي بموجبه تمنح الجماعات المحلية صلاحيات وسلطة مطلقة في مجالها الجغرافي حتى وان تناقضت مع القوانين العامة، او تصادمت مع باقي السلط المركزية او الجهوية.
خطر نحن في بدايته والانذار الذي تكرر صوته يستوجب الانتباه لهذا وشرح القانون والصلاحيات لممثلي الجماعات المحلية، والاهم نزع فكرة انهم دول داخل الدولة وانما هم منتخبون لتسير الشان المحلي اليومي وفق مقتضيات القانون الذي يقوم على وحدة الدولة لا على «فدراليات» لها حكم ذاتي في مجالها الجغرافي.