له على أنه الحلّ الأمثل لإنقاذ البلاد والخروج من الأزمة غير المسبوقة التي تتخبط فيها منذ سنوات عديدة، حوار لم يتجاوز بعد مرحلة الفكرة والدعوات التي تتبعها أية خطوة لتطبيقها على أرض الواقع بالرغم من أن الفكرة قد استحسنها الجميع ولكن حتى مجرد «الدعوة إلى الحوار» تظل محلّ مزايدات وتجاذبات بين مختلف الفاعلين ولئن كان عنوان الحوار الوطني واحدا فإن مضامينه والأطراف المشاركة فيه والجهات الحاضنة له شكلت نقطة اختلاف وخلافات، خلافات حالت دون التقدم بأي خطوة نحو تحقيقه.
وفق تصريح رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي خلال افتتاحه للجلسة العامة أمس المخصصة لمناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2021 البلاد تحتاج البلاد إلى حوار وطني اقتصادي واجتماعي معمّق ومسؤول يجمع الحكومة ومجلس نواب الشعب والمنظمات الاجتماعية والمهنية والأحزاب السياسية تحلّل فيه الإشكاليات وتقدّم المعالجات العلمية والمستعجلة، مشيرا إلى أن هذا الحوار «كفيل بوقف تدحرج الأوضاع الاقتصادية ووضع البلاد على سكة الإصلاحات الكبرى» مبيّنا أن «العقل التونسي قادر على إيجاد حلول بإرادة سياسيّة واضحة يشترك فيها الجميع بعيدا عن المعارك الجانبيّة . واعتبر أن تونس أثبتت أنها قادرة على تجاوز كل الصعوبات بالحوار الذي يجمع القوى الوطنية.
حوار عنوانه الأساسي الأولويات الاقتصادية والاجتماعية
وشدد الغنوشي على أن تونس ستثبت خلال هذه العشرية أنّها قادرة على تجاوز كلّ الصعوبات بالحوار الذي يجمع القوى الوطنية والمقترحات المتعددة، وتبدو حاجتنا للحوار أكثر إلحاحا اليوم وانه علينا الانطلاق في حوار وطني شامل وعاجل عنوانه الأساسي الأولويات الاقتصادية والاجتماعية ضمانا لأمن وطننا ونجاح مسارنا وتحسين ظروف عيش أبناء شعبنا. من جانبه أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي في الجلسة العامة في البرلمان أن الحكومة تبسط يدها لكلّ مبادرات الحوار البناءة وتدعمها متعهدا بأن تكون هذه الحكومة حكومة العمل والإنجاز وأن تواصل التعامل «بنفس الجرأة عزيمة أكبر وأكثر إصرارا على التغيير، بأكثر إيمان بالانتقال الديمقراطي وبضرورة تكريس كل مبادئ الدستور».
سعيد والتفاعل مع المبادرات
وأجمع الكل على أن البلاد تعيش أزمة غير مسبوقة على جميع المستويات وزادت جائحة الكورونا في تعميقها ولكن إلى حد اليوم لم يكشف أي طرف من دعاة الحوار الوطني عن خطوطه العريضة ومضامينه، خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان من أبرز الداعين إلى ضرورة تنظيم حوار شامل لإنقاذ البلاد وتقديم تصورات وتوجهات بديلة ولكن يبدو أن المزايدات والخلافات قد حالت دون التزامه بالموعد الذي سبق وأن أعلن عنه خلال اللقاء الذي جمع الأمين العام نور الدين الطبوبي مع رئيس الجمهورية قيس سعيد في الأسبوع الفارط، فمبادرة الاتحاد لقيت ترحيبا من رئيس الجمهورية وبعض الأحزاب السياسية في إشارة خاصة إلى التيار الديمقراطي وحركة الشعب، علما وأن هذين الحزبين يدفعان نحو تشكيل ما يسمى بالجبهة السياسية لمواجهة حركة النهضة وحليفيها قلب تونس وائتلاف الكرامة، وهذا ما يرفضه اتحاد الشغل الذي يحرص دائما على أن يكون بعيدا عن الصراعات السياسية، كما لقيت هذه الجبهة المفترضة احتراز أحزاب أخرى.
تسويات جديدة بين الأطراف السياسية
مبادرة تنظيم حوار وطني باتت تطرح وتقدم على أنها الحلّ الوحيد لإخراج البلاد من أعنف أزمة تعيش على وقعها لكن يبدو أن هذا الطرح بات بدوره محلّ شدّ من جذب بين مختلف الفاعلين وسط تواصل غياب أبرز لاعب فيه وهو رئيس الجمهورية باعتبار أن دعاة الحوار سواء الأحزاب أو اتحاد الشغل يرغبون في أن يكون رئيس الدولة الجهة الحاضنة له على عكس رئاسة البرلمان وحركة النهضة، فالغنوشي يرغب في أن يكون البرلمان صاحب أي مبادرة، علما وأن رئيس الجمهورية قد تفاعل ايجابيا مع مبادرة اتحاد الشغل مع مبادرة التيار الديمقراطي. وحسب تصريح النائب زهير المغزاوي عن الكتلة الدّيمقراطية لوكالة تونس إفريقيا للأنباء فإن الحوار يتّخذ أهميّته من مضمونه، قائلا «هناك من يبحث عن حوار لإيجاد تسويات جديدة بين الأطراف السياسية أو الخروج من مأزق وهنالك من يدعو إلى حوار للبحث عن حلول حقيقية للأزمة». وأضاف قوله «بالنسبة إلى كتلتنا، كنا دائما ندعو إلى الحوار مع المنظمة الشغيلة ومع حوار للتسويات الحقيقية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الحارقة، فالحوار في حدّ ذاته جيّد، لكن يجب أن تخلص النوايا لخدمة البلاد».
ويذكر أن التيار الديمقراطي كان قد طرح خلال شهر أكتوبر الفارط مبادرة لحوار وطني اقتصادي واجتماعي تحت إشراف رئيس الجمهورية قيس سعيد لإيجاد توافق بين مكونات المشهد السياسي والمنظمات الوطنية والخبراء حول منوال التنمية الجديد و الإصلاحات الاقتصادية التي يجب الشروع فيها والقيام بها في السنوات المقبلة مهما تغيّرت الحكومات.