ويتحمل الفاعلون السياسيون والرئيسون في المشهد الوزر الاكبر ، فهم الذين ادوا بنا الى القطيعة بين زمن وعالمين ، الاول أبطاله الشارع والغاضبون الذين تضرّروا من الازمة الاقتصادية والاجتماعية والثاني سياسي ومؤسساتي منغمس في تفاصيل تجاذبات الهته عن ادراك الخطر المحدق بالجميع.
لم يعد من الممكن الفصل بين الاحداث او الملفات وأخذها ككيان قائم بذاته مستقل لا تداعيات له ولا ترابط مع البقية ، كما هو الحال بالنسبة لارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي وبداية التحركات الاحتجاجية في عدد من الجهات للمطالبة بالتنمية واعتمادها شعار «غلق الفانة».
هذا الوضع لم يكن وليد اليوم او وليد لامس، بل هو إفراز لسنوات من القطيعة والتنافر بين ما يجب ان يحدث وما حدث في الواقع. تراكمات ادت الى ان يصبح المشهد العام على هذه الشاكلة، شارع غاضب يلوح بالتصعيد وينظر الى الدولة على انها «غنيمة» او «عدو» وجب اجباره على الرضوخ وتحقيق المطالب، طبقة سياسية منشغلة بالمناكفات البينية والداخلية والصراعات الهامشية وتغذية ألاستقطاب. مؤسسات حكم مرتعشة متصارعة تتخبط في تفاصيلها اليومية و تغيب عنها المنهجية و التصور، الا في حالات نادرة.
تلك تفاصيل المشهد وتطوراته اضف اليها الوضع الصحي والانكماش الاقتصادي العالمي، كلها تتقاطع لتشكل واقعا عبرت عنه الارقام التي نشرت في نشريتي المعهد الوطني للإحصاء و تتعلق بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية للثلاثي الثالث لسنة 2020، وفيها تمت الاشارة الى ان نسبة النمو ستتجاوز. 7.3- %، وهي التوقعات الرسمية بعد التحيين في مناسبات عدة.
هذه النسبة السلبية للنمو ليست ارقاما نظرية لا انعكاسات لها على الواقع المعاش للتونسيين، الذي تدهور مع تواصل الحالة الوبائية في البلاد، وفي خضم هذا هناك حسم ملف الكامور وتعثر السياسية الاتصالية لتسويق الحل وزلات لسان رئيس الحكومة التي عقدت الامر.
كل هذا هيأ لتحركات احتجاجية انطلقت منذ ايام ولا يبدو انها ستشهد انخفاضا في وتيرتها في ظل المعالجة الراهنة من قبل الحكومة، اما اعتماد الخيار الامني وتفريق المتظاهرين او التجاهل التام، وفي الحالتين هي كمن يسكب الزيت على النار فيؤججها. فكان غضب الشارع وتحرك المحتجين صوب مناطق الانتاج او قنوات نقل الغاز او النفط لغلقها بهدف الضغط على الحكومة للتفاوض وتقديم حزم حلول للمحتجين تتضمن التشغيل والمشاريع التنموية.
تحركات احتجاجية انطلقت في الولايات التي تسجل اعلى نسب البطالة والفقر وتعتبر ذات أولوية قصوى في منوال التنمية لكل الحكومات المتعاقبة منذ 2011، تكشف اننا على اعتاب شتاء مختلف عن سابقيه، لن يكون خاملا بل محتدما في ظل ضبابية المشهد والتطورات التي توحي بان الحكومة تركت بمفردها لتواجه الشارع. فالاحزاب الداعمة للحكومة، اما منشغلة بصراعات داخلية - النهضة- واما تلوح بقطع الارتباط بالحكومة وعدم التصويت لقانون المالية التعديلي –قلب تونس- او منشغلة بالمناكفات في البرلمان –ائتلاف الكرامة.
وعليه ستجد حكومة المشيشي نفسها في حالة عجز عن مسايرة الاحداث واستباق الازمات، فهي غير قادرة على الاستجابة لكل المطالب الاجتماعية التي يرفعها المحتجون، كما انها لا تمتلك افضلية الوقت ورفاهيته لتستوعب الغضب وتبحث عن خلق روابط ثقة مع الشارع الذي سيحملها اوزار السابقين، لا وزرها فقط. اي اننا سنعيش على وقع شتاء سابق لاوانه يرتفع فيه منسوب الحنق في الشارع الذي سينفرد بحكومة المشيشي، العاجزة عن شراء السلم الاهلي حتى وان رغبت في ذلك واستمرت في سياسة الترقيع عوضا عن الاصلاح.
وهذا لا يترك لها حلولا عدة لاحتواء الغضب قبل انفلاته، فكل ما تبقى لها ان تجد قنوات اتصال مع المجتجين وان تبحث عن معجرة بان تستجيب لبعض المطالب التي ستكون مرهقة ومكلفة، ولكنا قد تمنحها الوقت لتنزيل مشاريع الاصلاح قيد الانجاز، طالما مازال في الزمن متسع قبل الطامة.