التي عامل بها سعيد المشيشي على رؤوس الملإ، طريقة تعتبرها النهضة غير ملائمة ولكنها لا تذهب ابعد من ذلك بل تختار ان توجه الاحداث لتضمن تحصين المواقع التي تشغلها في ظل تصور قائم على ان الحرب قادمة حتى وإن تأخر الاعلان عنها.
يوم امس وفي اطلالاتهم الاعلامية بالإذاعات وبالتلفازات والمواقع حرص قادة النهضة على ان لا يقع التركيز كليا على ما جد في لقاء رئيس الجمهورية قيس سيعد برئيس الحكومة هشام المشيشي الذي جلس بين يدي الرئيس ليستمع للتقريع على خلفية تعيناته الاخيرة.
تعيينات تقول النهضة في شأنها على لسان قادتها ان الدستور يكفل لرئيس الحكومة صلاحية القرار فيها، باعتباره رئيس حكومة لا وزيرا اول ، ومن اصحاب هذا الرأي عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة الذي قال ان اسلوب مخاطبة الرئيس كان «محرجا للمشيشي». اسلوب لا توافق عليه النهضة ولكنها في ذات الوقت تعتبر ان للرئيس ان يبدى الرأي ويعلق على التعينات خاصة وان «رئيس الجمهورية يدافع عن مبادئ مقاومة الفساد والثورة» اي ان النهضة لا تتبنى موقفا داعما لخيارات المشيشي بل تعاتب على طريقة ابداء الموقف.
فالنهضة وان خالفت الرئيس في طريقته الا انها تتبنى مقاربته فهي «لا تقبل اي شبهات ولا تقبل بأسماء تتعلق بها قضايا» وفق قول الهاروني الذي وان شدد على ان الدستور يمنح رئيس الحكومة صلاحية التعينات فان النهضة «لا تتسامح مع شبهات تتعلق بغياب النزاهة في الماضي أو في المستقبل» فالنهة وان لم تكن هي من تحكم وفق قول قياداتها فانها «حين تتجاوز الأمور الحدود قادرة على اتخاذ الموقف المناسب وفق الدستور». والقصد هنا ان الحكومة خاضعة لرقابة البرلمان كذلك رئيسها وهنا مربط الفرس في خطة النهضة الذهاب تدرجيا بالحدث ليكون دافعا للمطالبة بالتنسيق والتشاور بين الرؤساء الثلاثة، فالحركة على لسان قادتها ورئيسها، رئيس البرلمان راشد الغنوشي تطالب اثر اللقاء بين سعيد والمشيشي على ان تجمع الرئاسات الثلاث علاقة تشاور ونصح ضمن اطر الدستور.
موقف النهضة يرغب في ان يذهب باللقاء الى منطقة تكون مناسبة لها لتطلق فيها ما تعتبره دعوة او مبادرة او نصيحة، وهي التشاور والتناصح بين مؤسسات الدولة ورئاساتها الثلاث، فالحركة لا ترغب في ان تتورط في خلاف مع رئاسة الجمهورية.
اذ وفق قول أحد قياديها سامي الطريقي ، النهضة كحزب «علاقتها بالرئيس علاقة احترام لمؤسسة الرئاسة « ولا ترى ان العلاقة متوترة ، اذ هي تحكم بالظاهر ولا دخل لها في الانطباع الذي قد يحصل لمتابعي الشان العام بوجود توتر بينها وبين الرئاسة، ويشدد الطريقي على ان مؤسسة الرئاسة لم تصرح بوجود خلاف بينها وبين النهضة التي دعمته وفق الطريقي في الدور الثاني من الرئاسية.
ما بين النهضة وسعيد وفق قادة النهضة اختلاف في محطات ووجهات نظر، وهي تراهن على ان الرئيس يؤمن بقيم الديمقراطية وحق الاختلاف في إطار الدستور. هذا هو الموقف الراهن للنهضة من الحدث وهي لا تتبنى طريقة الاعلان عن الموقف وان تبنت المضمون، وهي لا تعتبر ان ما قام به الرئيس سيتهدفها.
لكن بين المنطوق والمسكوت عنه مسافة، فالنهضة ومنذ فترة ليست بالقصيرة تعتبر انها في صراع مفتوح مع رئيس الجمهورية، ولكنها لا ترغب في ان يتطور هذا الصراع الى حرب ستكون هي الخاسر الاكبر فيها، وعليه فهي تريد ان تجد «أرضا امنة» لتستريح فيها الى ان تنتهى العهدة الرئاسية.
هذه الارض الامنة في البرلمان ورئاسته، التي كشفت تصريحات قادة النهضة امس انها تريد ان تحصنها وان تدفع بها الى الامام اكثر، فالدعوة الى ان يصبح اللقاء بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان لقاء دوريا اسبوعيا للتشاور والتناصح ، ليس الا محاولة لتحقيق هذا.
محاولة ترغب من خلالها النهضة في ضمان مشاركة فعلية في الحكم وهدنة مع الرئيس، اي ان تحول دون ان يقع الاستفراد بالمشيشي وإضعافه اكثر مما هو عليه الان وان تضمن تخفيفا لحدة هجوم الرئيس عليها في كل مناسبة ، لتتجنب ان يذهب الرجل للإعلان عن حرب لن يكون امامها غير خوضها رغم علمها بخسارتها لها.