فالرجل بلغ مقاليد الحكم في ظل أسوإ ازمة اقتصادية واجتماعية وسياسية تمر بها البلاد، مما ينبئ بان «زمنه» سيكون زمن الشدة والشدائد.
وقد اشار رئيس الحكومة الجديد هشام المشيشي الى ما يعلمه الجميع، وهو ان حكومته اتت في ظرف تعيش فيه البلاد حالة عدم الاستقرار وانتظارات كبيرة من المواطنين لتحقيق تغيير ملموس». وهذا اوجد مناخا وصفه بـ«الصعب» لكن رغم ذلك فهو لن يتوانى مع فريقه عن بذل كل مجهود لمساعدة البلاد على النهوض.
وأول ما سيقع العمل عليه «استرجاع التوازن الاقتصادي» وذلك بالعمل والتعاون مع «رئاسة الجمهورية والبرلمان والأحزاب»، وفق قوله في كلمة القاها بمناسبة مراسم تسلم السلطة امس. ما لم يقله المشيشي يوم امس، ولا في المرات السابقة، هو كيفية معالجته للأزمات الخانقة، سواء منها السياسية او الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
رغم انه تسلم مقاليد الحكم في وضع غير مسبوق صحيا و اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا- اذ باشرت هذه الحكومة مهامها في وقت تفاقم فيه انتشار وباء الكورونا/ كوفيد-19، اذ بتاريخ 1 سبتمبر الجاري بلغ عدد الاصابات النشيطة بالفيروس 2410 إصابة عبر عدوى محلية، وهو رقم يكفي لكشف ما عليه لوضع الصحي في البلاد.
يضاف الى هذا الوضع الصحي الحرج انكماش تاريخي للاقتصاد التونسي، اذ ينتظر تسجيل نسبة نمو سلبية برقمين وانعكاس ذلك على تعبئة موارد الدولة التي ستشهد تراجعا قدر بـ7 نقاط وهو مرجح للارتفاع مما يعنى ارتفاع عجز الموازنة وتجاوزه للتقديرات الاولية بما يمهد للتداين الداخلي او الخارجي وهذا يعنى ارتفاع نسبة التداين وبلوغها خطوطا حمراء.
ولا تقف تداعيات انتشار فيروس الكورونا خلال الثلاثي الثاني من السنة الجارية وفترة الحجر الصحي العام عند هذا الحد اذ افرزت فقدان مواطن شغل وارتفاع معدل البطالة بثلاثة نقاط بعد ان انضاف 110 الف طالب شغل جديد لجحافل العاطلين. وتراجعت جل المؤشرات الاقتصادية.
هذا الانكماش سيفاقم الازمة الاجتماعية المتواصلة منذ سنوات، خاصة في ظل توقع بارتفاع عدد المتضررين من انتشار وباء الكورونا وفقدان مواطن شغل اضافية، وصعوبات تحول دون ان تتدخل الدولة بالشكل الكافي لاحتواء ازمة اجتماعية مهيئة للانفجار.
ازمة تشمل ايضا نفقات الدولة، وخاصة الاجور، التي إذا وقعت مراجعتها او الاقتطاع الاضافي منها قد يجد الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه مدفوعا للتدخل وهذا قد يفتح الباب امام تصادم بينه وبين الحكومة الجديدة.
حكومة جديدة تتسلم مقاليد الحكم في ظل ازمة سياسية غير مسبوقة ، اذ ستجد نفسها وسط معركة بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وخاصة احزاب الحكم الجديدة ، النهضة وقلب تونس وكتلة ائتلاف الكرامة وكتلة المستقبل ، معركة يبدو ان الحكومة وبعد خيار رئيسها هشام المشيشي قد اصطفت ظرفيا في معسكر الاحزاب.
اصطفاف سيجعلها محل سخط رئيس الجمهورية الذي اعلن حربه على احزاب الحكم، واتهمها بالخيانة والعمالة، وهو ما يعنى فتح الباب للمواجهة المباشرة بينهما والتي ستطال نيرانها الحكومة التي ستجد نفسها وحيدة مع اول حركة احتجاجية في الشارع اذ ستنفض من حولها احزاب الحكم .
احتجاجات ستنطلق في اكتوبر القادم على الارجح، مع بداية مناقشة قانون المالية الذي ستكون حكومة المشيشي مجبرة فيه على ان تطبق قانون الانتداب الجديد الذي صادق عليه مجلس النواب، ويفرض انتداب 15 الف عاطل عن العمل دون مناظرات.
هذه بعض من القنابل التي زرعت عمدا او عن غير قصد، وما على الحكومة الا ان تجنب الدوس على أي منها لكن لحظها السيء حتى وان فعلت المستحيل وتجنب الدوس عليها فان هذه القنابل ستنفجر تباعا في وجهها، الكامور وتلويح شركات البيترول بالغلق النهائي، ملف فسفاط قفصة وتواصل تعطل الانتاج، وغيرها من الملفات.
قد يكون من الانصاف ان يقال ان المشيشي قد يكون اول رئيس حكومة قد يعذر لفشله بسبب المناخات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسلمت فيها حكومته مقاليد الحكم. لكنه سيضاعف جزاءه السياسي إذا نجح في تحقيق تغيير فعلي ومحسوس في المعاش اليومي للتونسين.