في اقناع أحزاب وكتل برلمانية بالتصويت لصالحه وتغيير مواقفها من الرفض الى القبول.
انتظر التونسيين يوم امس ان يتبع اللقاء المنعقد بين رئيس الجمهورية قيس سيعد والمكلف بتشكيل الحكومة هشام المشيشي بالاعلان عن تركيبتها خاصة وان اللقاء عقد قبل نهاية الاجال الدستورية للتكليف بساعات قليلة.
لكن ما حمله بلاغ رئاسة الجمهورية كان مخالفا لذلك ، اذ جاء فيه ان الرئيس استقبل بقصر قرطاج هشام المشيشي المكلّف بتكوين الحكومة. الذي قدم عرضا للرئيس عن تقدم المشاورات، هذا ولم يغفل البيان عن الاشارة الى ان اللقاء بين الرجلين لم يمر دون «التأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار للإسراع بإيلاء العناية اللازمة للاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، بما من شأنه أن ينعكس إيجابا على أوضاع كل التونسيين والتونسيات».
اما عن تركيبة الحكومة فلم تقع اية اشارة إلى ذلك، رغم التلميحات السابقة بان تقديم الحكومة الجديدة لن يتجاوز يوم الاثنين، لكن بات جليا ان المواقف الصادرة عن الاحزاب ومن الكتل البرلمانية، من بينها التيار الديمقراطي الذي اتخذ مجلسه الوطني قرارا بعدم منح الثقة للحكومة، قد اربك المكلف الذي سينفق ماتبقى له من ساعات قبل نهاية الاجال الدستورية في تدقيق حساباته وتوقع مصير حكومته.
ساعات لن تتجاوز الـ 24 يراهن هشام المشيشي على ان تكون كافية لمعرفة نوايا التصويت لحكومته من قبل كتل البرلمان خاصة وانه يخشي ان يكون لقرار التيار الديمقراطي تاثير كرة الثلج»، اذ ان القرار المعلن عنه اول امس اول قرار نهائي وصريح بعدم التصويت لحكومة المشيشي، وما يخشى منه ان يدفع ذلك باحزاب اخرى الى السير على منواله.
فالمشيشي يدرك ان شرط مرور حكومته في البرلمان هو عدم كسر حاجز الخوف من حل البرلمان ان سقطت، اي انه يراهن على هواجس الاحزاب ومخاوفها لضمان التصويت لحكومته،اكثر من مراهنته على اقتناع الاحزاب بمسار المشاورات وما افرزته.
هذا الرهان كسر يوم الاحد الفارط وبات جليا ان ورقة الضغط التي يناور بها المكلف فقدت تاثيرها لدى بعض الكتل وهو ما قد يدفع بكتل اخرى الى ان تتبع ذات الخيار، اذ أن جبهة الرفض باتت تضم التيار وائتلاف الكرامة في انتظار ان تحسم النهضة موقفها، الذي شهد تعديلا يوم امس، فمن الاقرار بان الوضع صعب وان المنطق يفرض مرور الحكومة في جلسة المصادقة إذا كان التمشي خاطئا فإن الحركة ستكون أقرب الى الرفض منها للقبول، وما كشفه امس القيادي بالنهضة عبد اللطيف المكي من ذلك مصير الحكومة بات معقدا في ظل صعوبات كشف عنها قد تحول دون نيل الثقة الا مؤشرا اوليا عما قد يكون عليه الموقف النهائي للنهضة.
اي ان المشيشي الباحث عن توافقات الساعات الاخيرة، قد يكون امام مهمة صعبة فالرجل الذي خير فرض الامر الواقع على الاحزاب والكتل في شهر المشاورات يبدو انه سيكون امام الامر الواقع في نهاية اجالها، اي انه سيكون في وضع اشبه بالحبيب الجملي الذي ادرك قبل حلول جلسة منح الثقة ان حكومته سقطت بسبب سوء ادارته للمشاورات وخياراته المتقلبة.
والحال اليوم يشبه في بعض تفاصيله ما كان عليه الامر في فترة قيادة النهضة والحبيب الجملي للمشاورات، رفض كلي للمقاربة التي اتبعها المكلف وانسحاب في اللحظات الاخيرة عن جبهة دعم الحكومة والاعلان عن خيار المعارضة، مع التلويح بوجود مخرج دستوري للنجاة من الازمة، وهو تمديد اجال التشاور بشهر اضافي، ينفقه المشيشي في اتباع خيار جديد للتشاور مع الاحزاب.
غير ان هذا المخرج ومحاولة اعادة الزمن الى ساعات التكليف الاولى قد لا يعني شيئا في ظل وضوح النص الدستوري في فصليه 89 و98 اللذين يبينان ان المكلف له مهلة بشهر واحد غير قابلة للتمديد ولا التجديد، مما يعنى اننا في الطريق الى مشهد سياسي اكثر تأزما، اما ان يقع خرق للدستور وتقديم تأويل مناقض لنصه الصريح او المغامرة بالذهاب الى البرلمان بحكومة غير مضمونة المرور.
في الحالتين يبدو ان ليلة امس وساعات اليوم ستكشفان الطريق الذي سيسلكه المكلف والرئيس اللذين تترصدها الاحزاب.