بل لتجنب تداعيات سقوطه مما ينقل الرجل الى مرحلة اخرى وهي تحديد خياراته في إدارة الوضع العام في ظل تركة ثقيلة تنتظره.
لا يبدو ان اكبر عقبة تعترض هشام المشيشي، المكلف بتشكيل الحكومة توفير اغلبية الـ109 صوت للمرور ونيل ثقة البرلمان فالمؤشرات الراهنة تفيد بان الامر قد حسم او في نهاية مسار الحسم وضمان المرور وذلك لتجنب فرضية حل البرلمان والذهاب الى انتخابات تشريعية مبكرة في ظل وضع صحي واقتصادي واجتماعي متأزم إلى الحد الأقصى.
هذا الوضع المتأزم هو ما سيرثه هشام المشيشي بصفته رئيسا للحكومة لا المكلف، اثر انتهاء مراسم تسلم المهام، ولا يبدو انه سيتمتع بأفضلية «هدنة الـ100يوم» للإطلاع على الملفات وتحديد اولويات الحكومة ونهجها في معالجة القضايا العالقة والمحدثة.
فالمشيشي، وبتسلمه رسميا مهام رئاسة الحكومة سيجد نفسه امام ازمة شاملة تتفرع عنها ازمة صحية وازمة مالية اقتصادية وأزمة اجتماعية في ظل مشهد سياسي مشتت يحول دون توفير دعم سياسي فعلي للحكومة يمكنها من الذهاب في خيارات صعبة ولكنها ضرورية لمجابهة الوضع.
التركة التي ستحال لحكومة المشيشي المنتظرة تتضمن الوضع الصحي في ظل عودة انتشار فيروس الكوفيد -19 بوتيرة لم تشهدها البلاد في الموجة الاولى اذ سجل منذ جوان الفارط الى غاية الـ17 من اوت اجاري اكثر من 670 حالة اصابة عبر العدوى المحلية وهو ما يطرح اشكالية الخيار المتبع في ادارة الملف وضرورة مراجعة بعض الاجراءات بشكل فوري وعاجل.
تدهور الوضع الصحي واتجاهه المحتمل الى التفاقم يجعل حكومة المشيشي مطالبة بشكل فوري بكشف استراتيجيتها لمجابهة انتشار الفيروس الناجم عن ارتخاء اصاب الشارع التونسي واجهزة الدولة واثر على مجهودات التوقى والحماية، وهي اول التركات المطلوب معالجتها وتجنب الخيارات التي من شأنها مضاعفة الازمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد اذ يجد المشيشي على مكتبه في رئاسة الحكومة ، بعد نيله للثقة، ملفات متشابكة وصعبة تتعلق بالمالية العمومية أولا وانخرام توازناتها وتفاقم عجر الميزانية الناجم عن تراجع ايراداتها الجبائية وغير الجبائية، مع بروز ابواب نفقات اضافية تشمل انقاذ مؤسسات عمومية على غرار شركة فسفاط قفصة التي باتت تمثل عبءا ماليا على البلاد في ظل استمرار توقف الانتاج.
وهذا بدوره ملف اضافي ضمن ملفات ذات بعد اقتصادي واجتماعي كملف الكامور والاعتصام الذي يرفض القائمون عليه فضه ما لم يقع تفعيل اتفاق تشغيل 3000 شخصا بين شركات البستنة والشركات النفطية، اي ان حكومة المشيشي امام خيارين إذا ارادت استئناف النشاط في حقول النفط بالجنوب إما الاستجابة لمطالب المعتصمين او توفير بديل، وفي الحالتين عليها القيام بذلك بسرعة للحد من تداعيات توقف الانتاج وتعطيله على الوضع المالي والاقتصادي.
وضع وبائي واختلال التوازنات المالية العمومية وتوقف للانتاج في قطاع الطاقة والمناجم ليس فقط ما سترثه حكومة المشيشي المنتظرة بل سترث معه وضعا اجتماعيا واقتصاديا اكثر سوءا مما سبق وفق ما تضمنته المؤشرات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء وأبرزها ارتفاع البطالة بـ3 نقاط اي انه امام تركة مثقلة بالازمات الناجمة عن اسباب هيكلية ورثها سابقوه موضوعية ناجمة عن ازمة الكورونا وتداعياتها على الاقتصاد التونسي والدولي، لكنه ايضا يرث تركة مصطنعة مردها تلاعب الطبقة السياسية ومحاولتها تسجيل نقاط سياسية على حساب خصومها وابرز تركة قانون الانتداب الجديد.
هذا القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب ولاحقا ختمه الرئيس وامر بنشره هو مناورة سياسية سمجة بين الفاعلين الذين يغيب عنهم انه وفق هذا القانون سيقع انتداب بين 60 والـ150 الف عاطل عن العمل في الوظيفة العمومية على اربع دفعات اي بمعدل بين 15 الف و 37.5 الف شخص سنويا وهو ما سيرفع من كتلة الاجور التي ستؤثر على باقي المؤشرات تباعا.
اي ان حكومة المشيشي ستجد نفسها امام حتمية تطبيق هذا القانون وبرمجة انتداب اكثر من 15الف موظف جديد وادماجهم في القطاع والوظيفة العمومية وتخصيص مقدرات لهم في قانون مالية 2021، هذا بالاضافة الى انها ستخوض مفاوضات اجتماعية مع الاتحاد العام التونسي للشغل التي اجلت بسبب الكورونا ولاحقا بسبب رحيل الحكومة الحالية.
اي ان حكومة المشيشي ستعالج بشكل منفصل ملفين لهما تداعيات مباشرة على كتلة الاجور ونفقات الدولة في ظل وضع اقتصادي يستوجب الشروع في اصلاحات كبرى موجعة ورث بدوره الزامية تنزيلها على ارض الواقع، وتشمل اصلاح مؤسسات عمومية وتسريح عمال وموظفين من القطاع والوظيفة العمومية.
تناقض يرثه الرجل كما ورث مشهدا سياسيا وبرلمانيا يتحرك على وقع الصراعات بين مكوناته، وهي صراعات ستعقد من عمل الرجل الذي لن يجد سندا سياسيا وبرلمانيا وبنيله للثقة سيكون وحيدا امام مصيره مع الملفات التي ورثها.