الشامل وشهر بعد حظر التجوال والنتيجة الاساسية التي يأتينا بها هذا البارومتر هي عودة الثقة الى التونسيين بصفة هامة وبروز وزير الصحة عبد اللطيف المكي ورئيس الحكومة الياس الفخفاخ في ثلاثي الطليعة رفقة رئيس الجمهورية قيس سعيد في مؤشر الثقة الكبرى في الشخصيات السياسية.
قبل ازمة الكورونا وتحديدا في البارومتر السياسي لشهر فيفري الماضي كانت نسبة التشاؤم في حدود 55 % بعد شهرين )البارومتر السياسي لشهر مارس لم يصدر( انخفض التشاؤم بـ21 نقطة وأصبح 55 % من التونسيين يعتقدون ان البلاد تسير في الطريق السليم.
قبل الوقوف على اسباب هذا التغيّر الهام في معنويات التونسيين لنر معا ما هي سوسيولوجيا التفاؤل في بلادنا.
في التفاؤل ودواعيه
جهويا يمكن ان نقول بان الكورونا قد مرت من هنا اذ نجد ان تونس الكبرى )تونس وأريانة وبين عروس ومنوية( هي الجهة الاقل تفاؤلا) 45.6 % (نظرا لكونها الجهة التي تضررت أكثر من غيرها من هذا الوباء، ولكن فيروس الكورونا المستجد لا يفسر لوحده تفاؤل او تشاؤم مواطنينا اذ يمتزج كذلك بالانتماءات السياسية والفكرية )ولو كان في ذلك بالمعنى الواسع للكلمة (وهذا ما يفسر – الى حد ما – تصدر ولاية صفاقس للجهات الاكثر تفاؤلا بـ66.3 % وانخفاض هذه النسبة الى 50 % في ولايات الوسط الشرقي )سوسة المنستير والمهدية).
جندريا النساء هذه المرة، اكثر من الرجال تفاؤلا بوضوح (59.6 % للنساء مقابل 50.5 %) ولسنا ندري هل ان الحجر الصحي الذي اجبرت عليه جل العائلات التونسية مضافا اليه منع الجولان بعد السادسة مساء كان وراء هذا التفاؤل ام لا؟
نرجح ان اجتماع كل افراد العائلات من جديد رغم ما يصاحبه من خوف من الوباء او احيانا من عنف منزلي يطال النساء والاطفال قد اعطى –رغم كل شيء- نفسا تفاؤليا اضافيا للنساء مقارنة بالرجال.
اجتماعيا كانت الطبقات الوسطى (السفلى والعليا) هي الاكثر تفاؤلا مقابل نزول هذه النسبة تحت المعدلات الوطنية عند طرفي النقيض : الطبقة المرفهة (45.8 %) والطبقة الشعبية (49.5 %)
جليا نحن امام نتائج لافته للنظر اذ بقدر ما يتقدم الانسان في السن بقدر ما يقل تفاؤله ولذاك ندد ان فئة 18-25 سنة هي الاكثر تفاؤلا بـ62.3 % مقابل 48.2 % عند من يتجاوز الستين ولسنا ندري هل يعود ذلك فقط الى الاعتقاد بان الكورونا يتعاظم خطرها مع التقدم في السن ام لان الحجر الصحي الشامل يعاش –الى حدّ ما- كعطلة اضافية للشباب او كفرصة لعودة الحياة الى الحي رغم موانع حظر التجول ومخاطر الحجر الصحي.
معرفيا يتطور التفاؤل طردا مع المستوى الدراسي فهو في ادنى مستوياته عند الامين (42.3 %) ويشهد اعلاه عند اصحاب التعليم العالي (58%) .
في المحصلة هنالك عودة واضحة للتفاؤل عند عموم التونسيين رغم الجائحة ورغم اكراهاتها من حجر صحي شامل ومن منع التجول ولعلّ ما يفسر هذه المعنويات المرتفعة رغم الظروف الصحية الاجتماعية والنفسية التي ميزت هذه الاسابيع الاخيرة هو المقارنة بين وضعنا الوبائي وما يجري في بقية انحاء العالم فبعد مخاوف مارس من انفلات وبائي ممكن عادت الثقة تدريجيا الى النفوس بعد ان تمكنت البلاد –الى حدّ الآن- من السيطرة الواضحة على تفشي العدوى.
هناك عنصر ثان قد يفسر عودة التفاؤل هذه وهو ثقة جزء هام من التونسيين في ادارة الدولة بمختلف اجهزتها ورموزها لازمة الكورونا وهي ثقة تمحورت رمزيا حول رئيس الجمهورية -وهذا ما تعودنا عليه منذ الانتخابات في الخريف الماضي- مع رئيس الحكومة ووزير الصحة وهذا هو العنصر الجديد الذي اتضح خلال هذه الاسابيع الماضية.
• الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية:
سعيد والمكي والفخفاخ في الصدارة
لقد غيرت ازمة الكورونا في نظرة التونسيين للشخصيات العامة. ويمكن ان نقول بان اكبر مستفيدين هما بلا منازع عبد اللطيف المكي وزير الصحة والياس الفخفاخ رئيس الحكومة في الدفعات السابقة للبارومتر السياسي كان هناك ودوما قيس سعيد الذي يحلق وحده في سماء الثقة الكبيرة بنسب خيالية (حوالي70 %) ثم الاخرين اما في هذه المرة حتى وان حافظ رئيس الدولة على تقدمه بـ61 % من الثقة الكبيرة ولكنه لم يعد دون منافس اذ اقترب منه وزير الصحة عبد اللطيف المكي (51 %) وخاصة الياس الفخفاخ بـ44 % وذلك لعنصر اساسي وهو ان خزان الثقة النسبية هو الاكبر عند صاحب القصبة (3 2 %) مقارنة برئيس الجمهورية بـ24 % ووزير الصحة بـ17 % اي ان امكانيات التقدم هي الاكبر اليوم عند رئيس الحكومة مما قد يجعل منه المنافس الجدي الوحيد لرهان على صدارة هذا الترتيب معية قيس سعيد ثم ان الثقة الكبيرة التي يحظى بها اليوم وزير الحصة قد تتلاشي مع تجاوزنا لازمة الكورونا اليوم او غدا.
نذكر فقط ان قيس سعيد قد خسر 6 نقاط في مؤشرات الثقة الكبيرة بينما ربح الياس الفخفاخ 17 نقطة وحقق عبد اللطيف المكي مغنما خياليا باحرازه على 37 نقطة اضافية كاملة.
في المقابل خسرت شخصيات عامة كثيرة نقاط هامة في هذا المؤشر منها خاصة محمد عبو وزير الاصلاح الاداري ومكافحة الفساد الذي خسر 11 نقطة مثله مثل الصافي سعيد واحمد نجيب الشابي 9 نقا وسامية عبو 8 نقاط وعبير موسي 7 نقاط.
أزمة الكوفيد_19 لم «تستفد» منها الا السلطة التنفيذية صاحبة الفعل الاساسي على الميدان اي رئيس الحكومة ووزير الصحة ورئيس الجمهورية بدرجة اقل اما بقية الوزراء او الشخصيات السياسية الاخرى فقد تراجعت في الصورة وبالتالي في نسبة الثقة.
ونلاحظ هنا كذلك مسألة هامة وهي تتعلق بمستقبل الشخصيات السياسية.
مازال قيس سعيد يحتل صدارة هذا المؤشر عندما يتعلق الامر بالرغبة الكبيرة للمستجوبين في لعب هذه الشخصية دورا هاما في المستقبل بـ59 % يليه الياس الفخفاخ وعبد اللطيف المكي بـ51 % لكليهما ولكن عند ما نجمع هذه الرغبة الكبيرة مع الرغبة النسبية نجد لاول مرة منذ الانتخابات الماضية ان الصدارة اصبحت لصاحب القصبة بـ82 % مقابل 79 % لصاحب قرطاج.
ولعلنا هنا امام المعطيات الموضوعية الاولية والتي قد تغذي (؟) تنافسا محتملا بين رأسي السلطة التنفيذية غدا.
الشخصيات التي لا يثق فيها التونسيين مطلقا: راشد الغنوشي دوما في الصدارة
لم تؤثر الكورونا كثيرا في نسبة نفور التونسيين من بعض الشخصيات العامة، فعندما يسألون عن الشخصيات التي لا يثقون فيها مطلقا يأتي راشد الغنوشي –ومنذ أشهر طويلة) في المرتبة الاولى وبنسبة نفور عالية 63 % ويتعبه حمة الهمامي بـ57 % فعلي العريض بـ53 % ثم نبيل القروي بـ51 % فيوسف الشاهد وكذلك عبير موسي بـ49 % لكل واحد منهما ثم محسن مرزوق بـ48 %.
يكاد يكون هذا الترتيب وبهذه النسبة قارا منذ عدة اشهر واللافت هنا ان نسبة النفور تتفاقم مع سؤال المستقبل السياسي لذ لا يرغب مطلقا حوالي ثلاثة ارباع التونسيين (72 %) في ان يلعب راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، دورا سياسيا هاما في المستقبل.
هذه اذن الوضعية النفسية العامة للتونسيين زمن فترة الحجر الصحي الثانية: تفاؤل حذر وثقة في سياسي الخط الاول في مقاومة الجائحة وارتيابا كبيرا من نفس الشخصيات السياسية وعلى رأسها راشد الغنوشي رئيس البرلمان، فعدم التناغم بين الرؤساء الثلاثة ليس فقط على ميدان الفعل السياسي ولكن كذلك في عقول وقلوب التونسيين.
• رضا التونسيين على اداء الرؤساء الثلاثة
التونسيون راضون كثيرا على اداء رأسي السلطة التنفيذية ولكن لاول مرة يتقدم رئيس الحكومة على رئيس الجمهورية في نسبة الرضا العام (الرضا الكبير+ الرضا النسبي) بـ86 % مقابل 82.7 % لصحاب قرطاج ويبقى قيس سعيد هو المتقدم، نسبيا، في الرضا الكبير بـ44.8 % مقابل 43.9 % لكن اللافت هو ان نسبة غير الراضين على قيس سعيد ارفع بوضوح من تلك التي ليست راضية على اداء الفخفاخ (14.8 % لسعيد مقابل 8.3 % للفخفاخ).في المقابل 69.2 من التونسيين غير راضيين على اداء رئيس البرلمان ومنهم 59.4 % من غير الراضين تماما. اما الرضون عنه فهم في حدود 23.6 % من بينهم 6.3 % فقط من الراضين تماما.
• في عدد قادم:
- تقييم التونسي لوضعه الشخصي وأولويات البلاد ورأيه في أهم مؤسساتها