باستعمال القوة العامة لتأمين عملية الدفن واشهار عصا القانون لمن سيحاول منعها. تهديد ينهى الامر لكنه سيحجب المعضلة الرئيسية «ماذا عن الناجين» كيف سيعاملون ؟
لم يعد وسم « الأقلية » كافيا ليزيح عن كواهلنا ثقل الذنب المشترك لنا كشعب مجتمع مجموعات او اي اصطلاحا نريد به التدليل او الاشارة الى التونسيين ، بعد ان تكررت خلال الاسابيع الفارط حوادث منع دفن جاثمين موتى بعدوى فيروس كوفيد 19، الذين بلغ عددهم امس 22 فقيد.
تكرار المنع والاحتجاج على دفن الموتى امتد على عدة مناطق في تونس، انطلقت من بنزرت وانتهت في منوبة والمشترك بينهم خوف من ان تنتقل العدوى من الميت الى القاطنين على تخوم مقابر باتت مواراة جاثمين الموتى فيها تستوجب رضهم. رضا لم تنجح الدولة في بلوغه مما دفعها في اكثر من مناسبة على اللجوء الى الامن لدفن الميت.
دفن بحماية أمنية هو ما نجم عن اعتقاد شائع بأن الجاثمين تشكل خطراً كبيراً وحاضنة عدوى ، مما يؤدي إلى الكثير من الهستيريا هذه الفترة ، هذه الخرافة هي ما يعتنقوها قاطنون بجوار المقابر لا يثقون في الدولة ومن عليها ان تعلق الامر بالشرح والتوضيح والطمأنة بان الجثامين خضعت لإجراءات ضمن برتوكول يضمن عدم نقل العدوى قبل الدفن وبعده.
شرح تكرر كثيرا يؤكد أن الجثث لا تشكل خطر او ناقلا للأمراض الوبائية باعتبار ان الفيروس لا يعيش لفترة طويلة في جسم الإنسان بعد الموت، وان موتى الكورونا المستجد يمرون بمسار يتضمن عدم تعريض اي شخص للاحتكاك مع جثثهم لتجنب اي احتمال لانتقال العدوى قبل وضعها في محافظ خاصة للدفن.
لكن هذا لم يكن قادر على مقارعة عنصرية تقوم على التمييز والوسم، تستهدف فئة تضم « مصابي الكورونا « والمشتبه بهم، وهم كل من خضع للحجر او عاد الى تونس من دول اوروبية بالأساس مع انطلاق الجائحة، وسم يقوم على اعتبار هؤلاء/ الاخر يحمل الموت والخطر، لذلك يجب التمايز عنهم.
تمايز يقوم على تجريد كل من تعرض للاصابة بالعدوى، أي كانت نهاية مساره، يجب ان يقع نبذه وتجنب الختلاط به، اليوم ننبذ الموتى بشكل فج وصريح تشكل في احتجاج وقنابل غاز مسيلة للدموع لفض تجمهر الغاضبين من دفن امرأة توفيت نتيجة الاصابة بعدوى الفيروس.
رفض سيؤسس لوسم اجتماعي لهذه الفئة التي تتمدد كبقعة زيت، وسم يجعلهم بمثابة «الخطر» ويضعهم محل سؤال دائم،وهذه بداية الخطيئة الكبرى لنا التي تنطلق من الظن ان الحرب التي نخوضها ، كأمم واحدة او قوم او عصبة او حتى كأفراد، الانتصار فيها هو الاهم، لذلك نغفل عن ان نحفظ انسانيتنا التي نتجرد منها ومعها نخسر الحرب وان غادرنها سالمين.