او محاصرة من قبل لاعبين اساسيين في المشهد ، كل كلمة وكل موقف وكل هجوم او دفاع صمم لهذه المهمة ، الحماية والوقاية ، و يبدو ان الحركة دون ادراك تنتهج استراتيجية TIT FOR TAT/ واحدة بواحدة بتعديلات تضمن تحقيق الامان لها.
في القرن الماضي برزت معضلة السجينين ، التي اراد من خلالها بعض علماء الاجتماع الاجابة عن جوهر فكر ادام سميث القائل بان الانسان كائن اقتصادي يبحث عن مصلحته بدرجة اولى وهذا يقود في النهاية الى مصلحة الجميع في ظل حلقة تفضى الى الرخاء. فأرادوا اختبار هذا بتوفير خيارات لسجينين. احد الخيارات أناني يحقق مصلحة فردية اختاره الجميع في التجربة. وكانت النتيجة انه الاشد سوءا على السجينين.
هذا قاد للبحث عن حل معضلة السجينين ، بعد اكتشاف أن السعي لتحقيق المصلحة الخاصة بدرجة اولى يعود بالضرر على الجميع، وهو ما يبرره جوهان ناش عالم الرياضيات والاقتصاد ان الخيارات الانانية في اي منافسة امر طبيعي فالكل يبحث عن تحقيق اعلى نتيجة بغض النظر عن الاخر وخياراته. وهذا يؤدي الى عدم التعاون مع اي طرف، وهنا بات الخيار الافضل في المنافسة عدم التعاون .
معضلة السجينين شغلت طيفا واسعا من الباحثين والعلماء في اكثر من اختصاص وانتهت الى تطوير تجربة السجينين لتكون اكثر واقعية، وذلك بتكرار وضع السجينين امام حتمية الاختيار اكثر من مرة ، وهو ما قاد الى الاعتماد على نظرية الالعاب/ Game theory التي تهتم بالتحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح وكيفية الوصول إلى أفضل الخيارات في ظل ظروف محددة .
تجربة قادت في النهاية الى بروز استراتيجية Tit for tat كأفضل اجابة لمعضلة السجينين. والتي قدمها أناتول رابوبورت استاذ في جامعة ترنتو وجوهرها «واحدة بواحدة»، اي ان التعاون مرتبط بالتعاون، والخيار سيكون تكرار خيار الاخر الى ان يصل الطرفان الى التعاون و تحقيق افضل النتائج.
القيام بتنزيل هذه التجربة على الساحة السياسية التونسية سيقود الى اعتبار ان النهضة وباقي القوى الثورية وفق التصنيف الجديد ( وهي تحيا تونس والتيار وحركة الشعب) هما السجينان، في مرحلة المشاورات بقيادة الحبيب الجملي بحث كل منهما عن تحقيق افضل نتائج له مما ادى الى الفشل وعدم نيل حكومة الجملي للثقة وهو ما قاد للمرحلة الثانية من المشاورات التي يقودها الياس الفخفاخ.
الفخفاخ، يبدو انه ودون ادراك، اعاد توفير ظروف التجربة ، بالبحث عن حكومة تضم السجينين، النهضة/السجين 1 والاحزاب الثلاثة السجين 2، وهذا ما دفع النهضة الى الفزع وتذكر نهاية التجربة في المرة السابقة. فالحركة ذكرت الجميع بما آل اليه الوضع في مشاوراتها مع كل من التيار والشعب وتحيا تونس وكيف اخل الثلاثي بتعهده وكيف انسحبوا واختاروا مصلحتهم.
هنا يقول عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى ان النهضة «لن تعيد تجربة فاشلة» بل ولا ترى اي سبب يدفعها لتكرر الامر، اي المشاركة في مشاورات فقط مع الثلاثي فهي غير واثقة فيهم، ولها في تجربتها السابقة ما يبرر حذرها.
هنا تجسد المشاورات الحكومية معضلة السجنين، كيف يمكن تحقيق نتائج لصالح الجميع والحال ان طرفا اساسيا في المعادلة «اكتوى» بنار الاخر. وهو ما جعله مرتابا في النوايا، فان لم يقع الانقلاب اليوم سيقع غدا، او ساعة ترخى الحركة دفاعها.
هذا احد اهم اركان موقف النهضة، وهو عدم الثقة لا في الفخفاخ ولا الاحزاب بل في الضمانات التي تمتلكها، مما يجعلها اليوم وبشكل صريح تلوح بانها ستختار عدم التعاون معهم وهذا سيقود الى فشل الفخفاخ كما خلفه الحبيب الجملي، وبذلك تكون النهضة قد اذاقت القوم من الكأس التي ذاقتها.
لكن هنا تبرز معضلة اخرى وهي ان عدم التعاون قد يقود الجميع الى وضع سيء، بما في ذلك النهضة التي المحت الى استعدادها للتعاون ان توفرت ضمانات كافية لها، والضمانات هي مشاركة حزب قلب تونس والإقرار بان الحكومة تحت شرعية المجلس. ورقتان تعتبر النهضة انهما قادرتان على حمايتها ومنع اي محاولة لمحاصرتها او استهدافها.
هذه الاستراتيجية عبر عنها في كلمات قادة الحركة ومواقفها، فهي تتمسك بانها لا تدافع عن اي حزب، وانما تدافع عن نفسها وعن تونس، وهي تتمسك انها «أمنت» لشركاء الثورة فخانوها وهي لن تستأمنهم مجددا، وهي تتمسك بان المجلس صاحب الامر والقرار في الحكومة.
تمسك عبر عنه كل من تحدث باسم النهضة بل وبات التعبير عنه اكثر حدّة وشدّة وتوجيه الاتهامات للثلاثي الذي قالت انه يتلاعب وانها غير واثقة فيه ولا في انتصاره لقيم الثورة، وانها لن تقبل بان تنفرد بهم في حكومة ان لم تتسع دائرتها لتشمل اخرين.
آخرين اولهم قلب تونس الذي يبدو أنه سيقوم بما قامت به النهضة، وهو اتباع استراتيجية TIT FOR Tat ، خاصة وان الحزب الى غاية الامس كان اشد المتضررين من تعاونه مع الثلاثي في اسقاط حكومة الجملي، فهم استفادوا وهو اقصي وبات محل تهديد.