قراءة وتحليل زياد كريشان
الباروميتر السياسي مع نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية لشهر جانفي 2020 يأتينا بمفاجآت (؟) من الحجم الثقيل .
نسبة التشاؤم تبقى مرتفعة للغاية بـ%75.5 رغم نسبة الرضا العالية المستقرة لقيس سعيد بـ%70.3 والذي يمر من الدور الأول للانتخابات الرئاسية لو حصلت اليوم بـ%63.9. من نوايا التصويت أما المفاجأة الكبرى فهي تصدر الدستوري الحر لنوايا التصويت في التشريعية لأول مرة بـ%16.6 متقدما على الثنائي النهضة (%15.9) وقلب تونس (%15.6).
ولن يستفيد من انتخابات تشريعية تجرى اليوم سوى التيار الديمقراطي بـ%11.3 وائتلاف الكرامة بـ%10.2 أما بقية الأحزاب فهي كلها دون عتبة %5.
بعد موجة من التفاؤل عمت التونسيين في نوفمبر الماضي بـ%62 من المتفائلين مقابل %30 من المتشائمين وهذا هو الرقم القياسي للباروميتر السياسي الشهري لسيغما كونساي منذ إحداثه في جانفي 2015 عدنا إلى نسب التشاؤم المرتفعة في شهر واحد :%72 في ديسمبر 2019 وها نحن شارفنا %76 في جانفي 2020 أي أننا عدنا الى نسب نهايات 2017 والتي ما فتئت ترتفع إلى إن بلغت ذروتها في مارس الماضي بـ%89.
في سوسيولوجيا التشاؤم
التونسيون، ككل شعوب العالم،ليسوا متساوين أمام التشاؤم فبعضهم دوما أكثر أو اقل تشاؤما من بعض بحسب انتماءاتهم السياسية أو الجهوية أو الطبقية أو الجندرية أو الجيلية أو المعرفية ..
• سياسيا : ناخبو قلب تونس هم أكثر تشاؤما بكثير من ناخبي النهضة بـ%87.3 مقابل %62.1 ويفسر هذا الفارق الكبير بالانتظارات المتناقضة للفريقين،فقلب تونس قد خسر الانتخابات الرئاسية وتأخر كذلك في التشريعية وفقد بذلك زمام المبادرة السياسية الأساسية رغم تحركاته الأخيرة أما ناخبو النهضة فرغم خسارتهم للرئاسية إلا أنهم صوتوا بكثافة كبيرة للمنتصر قيس سعيد وكذلك تصدر حزبهم الانتخابات التشريعية وانتخب «شيخهم» رئيسا للبرلمان .
• جهويا: اللافت في هذه الدفعة من الباروميتر السياسي أن جل جهات الجمهورية قريبة جدا من المعدل الوطني للتشاؤم باستثناء ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) حيث سجلت أعلى نسبة للتشاؤم بـ%81.2 أما أدناها فكانت في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) ) بـ%62.7 والتفسير هنا سياسي بالأساس فالجنوب الشرقي هو احد المعاقل الانتخابية لحركة النهضة بينما يبقى الوسط الشرقي في الجهة المقابلة حيث نجد فيه أفضل النتائج لخصوم النهضة
• جندريا: لا نكاد نجد فارقا يذكر رغم تسجيلنا لمسالة نادرة إلى حد ما وهي الغلبة النسبية في التشاؤم عند الرجال بينما كانت القاعدة دوما هي العكس.
• اجتماعيا: الفوارق بينة فالطبقة المرفهة هي الأقل تشاؤما بـ%63.4 بينما يغلب التشاؤم في الطبقات الشعبية بـ%80.3 في حين تبقى الطبقات الوسطى، هذه المرة، في المعدل الوطني .
• جيليا : لا نلاحظ فوارق جوهرية بين مختلف الفئات العمرية مع التنويه بان فئة الشباب مازالت اقل تشاؤما من غيرها نتيجة الثقة الغالبة عندها في رئيس الجمهورية قيس سعيد.
• معرفيا : نلاحظ غلبة التشاؤم عند فئة الأميين بـ%84.6 في حين أن أصحاب المستوى الجامعي هم الأقل تشاؤما بـ%70.1 وهذا الفارق يفسر أيضا بالمهجة السياسية لمختلف الفئات المعرفية.
في المحصلة يمكن أن نقول أن نموذج الأكثر تشاؤما هو كهل أمي من الطبقة الشعبية ومن سكان ولايات الوسط الشرقي بينما يكون نموذج الأقل تشاؤما شابة من ولايات الوسط الشرقي من الطبقة المرفهة وذات مستوى تعليمي جامعي
تقييم أداء الشخصيات السياسية : صافي سعيد الأفضل وراشد الغنوشي الأسوأ
سألنا العينة عن تقييمهم لأداء الشخصيات السياسية خلال كامل سنة 2019 : جيد جدا أو جيد إلى حد ما أو سيىء أو سيىء جدا . وعندما نأخذ التقييم الأقصى في الجهتين نجد ان خماسي الجيد جدا هم الصافي سعيد (%29) وقيس سعيد (%27) وسامية عبو (%22) وعبير موسي (%20) فنبيل القروي (%17) أما خماسي الاسوأ جدا فنجد في الطليعة راشد الغنوشي (%65) فحمة الهمامي (%50) ثم عبير موسي (%47) فيوسف الشاهد(%43) ونبيل القروي (%38).
وتؤكد هذه النتائج مرة أخرى أن التونسيين يفرقون بصفة عامة بين الأحزاب والشخصيات وان الأداء الجيد أو السيئ عندهم له عناوين واضحة بغض النظر عن وزن هذا الحزب أو ذاك .
خماسي الصدارة وكذلك خماسي المؤخرة يرويان لنا تمثل التونسيين لأداء أبرز الشخصيات العامة إذ نجد أن ثلاثة فقط يتجاوزون سقف %60 من مجموع الانطباع الجيد (جيد جدا مع جيد إلى حد ما) وهم قيس سعيد (%75) والصافي سعيد (%69) فسامية عبو(%64) ثم نجد هوة بعشرين نقطة إذ لا يحصل صاحب المرتبة الرابعة محمد عبو الا على %44 مع التنويه بان لا أحد يتجاوز %30 في معيار الجيد جدا في المقابل في السيىء جدا نجد راشد الغنوشي بـ%65 وحمة الهمامي بـ%50 فعبير موسي بـ%47 وهذا يعني أن النظرة الإجمالية للشخصيات العامة تبقى في مجملها سلبية مع بعض الاستثناءات فقط.وسوف نرى تعميقا لهذا الاتجاه العام عندما نسأل العينة عن الشخصيات التي يريدون لها أن تلعب دورا هاما في الحياة السياسية في المستقبل .
مستقبل الشخصيات السياسية : قيس سعيد في الطليعة وراشد الغنوشي في المؤخرة
في مؤشر المستقبل السياسي للشخصيات العامة نجد كالعادة قيس سعيد في الطليعة وبفارق عريض فالذين يرغبون جدا في لعب رئيس الدولة لدور سياسي هام في المستقبل يصلون الى %73 وهذه نسبة لم يبلغها احد قبله في هذا الباروميتر إذ كان صاحب المرتبة الأولى سابقا لا يحصل إلا على ثلث أصوات من يرغبون في لعبه لدور سياسي هام، أما مع قيس سعيد فنسبة الاقتناع به مرتفعة للغاية منذ انتخابه الى اليوم .
يلي قيس سعيد الصافي سعيد بـ%46 فسامية عبو بـ%32 ومحمد عبو بـ%27 ثم عبير موسي بـ%24.
إن وجود شخصيتين مستقلتين عن الأحزاب، بل ومناهضتين للمنظومة الحزبية في المرتبتين الأولى والثانية لدليل على أن التونسي بصدد البحث عن عروض سياسية غير تقليدية.
الشخصية النهضوية الأولى في هذا المؤشر تأتي في المرتبة 14 وبـ%8 فقط وهي راشد الغنوشي في حين نجد علي العريض في المرتبة 17 والأخيرة بـ%7.
وبنفس الإجماع الايجابي الذي يحظى به قيس سعيد نجد إجماعا سلبيا يضاهيه في القوة إذ لا يرغب %71 من التونسيين بتاتا في لعب راشد الغنوشي لدور سياسي هام في المستقبل، ويليه شخصية نهضوية أخرى وهو علي العريض بـ%61 فحمة الهمامي بـ%58 وعبير موسي بـ%53 ثم يوسف الشاهد بـ%52.
بطبيعة الحال لم تمنع هذه النسبة المرتفعة من النفور لأهم شخصيات النهضة هذا الحزب من الفوز في الانتخابات التشريعية ومن تبوؤ راشد لغنوشي رئاسة البرلمان ولكن يعكس هذا النفور الكبير لراشد الغنوشي خاصة بان حزب النهضة ليس بعد في نظر غالبية التونسيين حزبا كبقية الأحزاب وان «التطبيع» مع المجتمع التونسي مازال لم يحصل بل لعله تراجع هذه الأشهر الأخيرة بفعل تبوؤ النهضة المشهد البرلماني من جديد.
نسبة الرضا عن أداء الرؤساء الثلاثة
نسبة الرضا عن أداء الرؤساء الثلاثة تكشف لنا وجها آخر من النفسية العامة للتونسيين.
الرضا العام (رضا تام مع رضا نسبي) مرتفعة عند رئيس الجمهورية قيس سعيد بـ%70.3 وهي ضعيفة عند رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ%35.4 وضعيفة للغاية عند رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي بـ%17.5 ولكن اللافت للنظر هنا أن نسبة الرضا التام عن أداء رئيس الجمهورية متواضعة إلى حد ما (%29.6) بينما هي رديئة للغاية عند يوسف الشاهد (%7.8) وخاصة عند راشد الغنوشي (%4.4) وهذا لا يعني فقط عدم رضا عن رئيس حكومة تصريف الأعمال وعن رئيس مجلس نواب الشعب للأسباب التي ذكرنا سابقا بل حتى الرضا المرتفع عن أداء رئيس الدولة فيه شيء من الهشاشة أي من قابلية التراجع الكبير لو لم يتمكن من تحقيق مكاسب ملموسة في الأشهر القادمة.
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 1012 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية ، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3.1
تاريخ الدراسة : 16 جانفي 2020 الى 21 جانفي 2020
سيغما كونساي