في التشريعية فيما يتأكد التقدم الكبير لقيس سعيد في الرئاسية والتي يفوز فيها منذ الدور الأول وبكل سهولة .
نوايا التصويت في التشريعية
ثلاثي في الطليعة : الدستوري الحر (%16.6) والنهضة (%15.9) وقلب تونس(%15.6)
لو جرت اليوم انتخابات تشريعية لتغيّر المشهد البرلماني الحالي بصفة كبيرة اي بعد حوالي ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية حصل تعديل كبير على مهجة وميولات التونسيين ويمكن ان نلخص هذه المستجدات في النقاط التالية :
• تقدم كبير للحزب الدستوري الحر الذي يتصدر لأول مرة نوايا التصويت في التشريعية بـ%16.6 من نوايا التصويت المصرح بها أي انه قد يضاعف النسبة التي حصل عليها في أكتوبر الماضي بمرتين ونصف .
علميا لا يمكن أن نقول بان الدستوري الحر هو الحزب الأول في نوايا التصويت إذ الفارق بينه وبين ملاحقيه النهضة وقلب تونس يدخل في هامش الخطأ ولكن لا مناص من ملاحظة القفزة النوعية للدستوري الحر وقدرته – وخاصة قدرة رئيسته عبير موسي- على حشد دعم متعاظم وقد يعود هذا بالأساس إلى كون الدستوري الحر قد برز باعتباره الخصم بل العدو- الأول- للحركية لإسلامية.
• تراجع حركة النهضة بحوالي أربع نقاط مقارنة بنتائجها يوم 6 أكتوبر إذ لم تحصل إلا على %15.9 من نوايا التصويت .
علميا لا تجوز المقارنة بين انتخابات فعلية وسبر أراء نوايا التصويت،اذ لا نقارن إلا المتشابه لا المختلف (انتخابات تشريعية مع أخرى سابقة او عملية سبر آراء مع أخرى سابقة لا الخلط بين الاثنين) ولكن المقارنة هنا فقط لتقريب الصورة وللحديث عن اتجاه عام : النهضة بصدد التراجع من انتخابات إلى أخرى بل هي تراجعت، مبدئيا، خلال هذه الاشهر الثلاثة.
في الحقيقة التيار الإسلاموي بقي في نفس الحدود وهو ربع الناخبين ولكن توازن القوى داخله بين حركة النهضة وائتلاف الكرامة الذي يمثل الاسلاموية الشعبوية الراديكالية هو الذي يتغير اذ لم يعد يفصل شيء كثير بين النهضة بـ%15.9 من نوايا التصويت وائتلاف الكرامة المرتبة الخامسة بـ%10.2 وهذا يعني أن حركة النهضة ستكون ممزقة أكثر من أي وقت مضى بين من يرون ان الخطاب المعتدل والوسطي هو وحده القادر على أن يصالح الحركة مع مجتمعها وبين من يرى أن هذه «الميوعة» السياسية والبحث عن التوافق مع «المنظومة القديمة» هو الذي سيقضي على حركة النهضة لأنه يحدث بين قواعدها الانتخابية وقياداتها شرخا كبيرا وان «الاعتدال» سيدفع بجزء هام من هذه القواعد الى اختيار تعبيرات سياسية وحزبية اخرى كما هو الحال الآن مع ائتلاف الكرامة.
• قلب تونس يصمد ويحافظ تقريبا على نفس الوزن الانتخابي بـ%15.6 بل هو أفضل بنقطة من النتائج الفعلية لـ6 أكتوبر الماضي .
وهذا يعني أننا أمام حزب قد يتأكد وجوده وحضوره السياسي على الأقل على المدى القريب وانه لم يتراجع بعد هزيمته في الرئاسية والتشريعية،وهذا إذا ما تأكد في انتخابات فعلية سوف يعني ان صورة العائلة الوسطية» قد تغيرت بصفة جذرية وان لحظة 2019 ليست لحظة عابرة .
• التيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة يدعمان من وجودهما ويتجاوزان – نظريا- حاجز الـ%10 من نسبة الأصوات :%11.3 للتيار الديمقراطي و%10.29 لائتلاف الكرامة بعدما كان الاثنان في حدود %6 في البرلمان الحالي.
لو تأكدت هذه النتائج فهذا يعني ان التيار الديمقراطي لم يتأثر البتة من تعثر مفاوضات حكومة الجملي التي لم تر النور وأن ما وصف أحيانا بـ« عناده» قد لاقى استحسانا لا فقط عند قاعدته الانتخابية بل وأيضا عند ناخبين جدد.
أما ائتلاف الكرامة فهو يؤكد أن مجرد وجوده في مسرح الأحداث قد غير بقوة في موازين القوى داخل العائلة الاسلاموية والتي هي بصدد الانجذاب التدريجي نحو الإسلاموية الشعبوية السيادوية الراديكالية وأن كل فشل في سياسات حركة النهضة يصب مباشرة ودون كبير جهد في سلة ائتلاف الكرامة .
ولكن يبقى ائتلاف الكرامة ،إلى حد الآن ،مجموعة من الأشخاص البارزين في هذه الدائرة السياسية دون تنظيم حزبي قادر على حشد الأنصار وعلى بناء هوية نهائية لهذا التيار.
• كل الأحزاب الأخرى هي تحت سقف عتبة %5 وكأن حركة الشعب بـ%4.7 وتحيا تونس بـ%4.5 لم يتمكنا البتة من استثمار هذا الوضع البرلماني المأزوم إلى حد ما بل حتى وإن حافظا على نفس نسبة التصويت فهما قد تراجعا .
نسبيا مقارنة بالثالوث الدستوري الحر والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة وهذا يعني منطقيا أنهما من بين الأحزاب التي لا مصلحة لها البتة في انتخابات تشريعية سابقة لأوانها .
وفق هذه النسب في سبر الآراء نوايا التصويت لو حافظنا على نفس النظام الانتخابي سيكون لنا برلمان اكثر تشتتا بثلاث كتل (الدستوري الحر والنهضة وقلب تونس) في حدود أربعين نائبا لكل واحدة منها وكتلتين بحوالي ثلاثين نائبا (التيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة) ولا شيء يكاد يذكر للبقية .
مع بعض الخيال العلمي السياسي يمكن أن نتصور تحالفات تبدو اليوم شبه مستحيلة او وضعيات جديدة لو كان الدستوري الحر أو قلب تونس في المرتبة الأولى من حيث عدد النواب ..
يقينا أن كل الأحزاب ستقرأ ألف حساب لاحتمال قيام انتخابات تشريعية سابقة لأوانها والأكيد بحسب سبر نوايا التصويت هذا بان النهضة لن تجازف بهذا ولن تدخل في رهان جديد ملؤه المخاطر ..
كل هذا يخدم مصلحة الحكومة المفترضة لالياس فخفاخ ولكن العملية لن تكون سهلة في حسابات الخسارة والربح لكل طرف ..
نوايا التصويت في الرئاسية
قيس سعيد منذ الدور الأول
تكشف نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية (والتي اعتمدت الإجابات التلقائية كما الشأن في سؤال التشريعية) تقدما كبيرا لقيس سعيد الذي يفوز فيها منذ الدور الأول بـ%63.9 وبفارق عريض للغاية عن منافسه في الدور الثاني في أكتوبر الماضي نبيل القروي الذي لا يحصل إلا على %11.1 من نوايا التصويت المصرح بها ويأتي الصافي سعيد في المرتبة الثالثة بـ%7.9 تليه عبير موسي (%4.4)ويختم خماسي الطليعة يوسف الشاهد بـ%3.5 من نوايا
التصويت .
وهذه النتائج تكفينا عن كل تعليق ،فقيس سعيد مازال يحلق بعيدا فوق سحابة لم يتمكن احد من الاقتراب منها ..والسؤال هل سيستمر الحال على ما هو عليه ام ستصيب لعنة الحكم صاحب قرطاج (في أوقات العمل فقط) ؟لعلنا نجد الإجابات الأولى بعد المصادقة (؟) على حكومة الياس فخفاخ والتي يصفها الجميع بأنها حكومة الرئيس وهي فعلا كذلك .
حينها سنرى هل سيتواصل هذا التحليق الفضائي أم سيصيب الرئيس ما قد يصيب حكومته .
هذه صورة أولى عن مشهد سياسي فيه بعض الثوابت ومتغيرات عديدة،ويحصل كل هذا ونحن في بدايات العهدة الانتخابية الحالية رئاسيا وبرلمانيا،ولكننا نحدس أن هذه التحولات ستتسارع وأنها قد تفرز أزمات حكم جديدة فذلك على ما يبدو هو قدر البلاد في هذه المرحلة الثانية من انتقالها الديمقراطي .