كمن يستجير من الرمضاء بالنار، فان ارادت تجنب حكومة الرئيس غامرت بانتخابات مبكرة يتقدم فيها غريمها الدستوري الحر، ان تجنبت الانتخابات فإنها تقر بان اللاعب الاوحد في المشهد هو الرئيس.
في ندوته الصحفية التي عقدها يوم الجمعة الفارط حرص الياس الفخفاخ على ان يضع الجميع بين خيارات محدودة اما القبول بتمشيه القائم على جعل الرئيس هو اللاعب والحكم الاول والاخير في المشهد السياسي والحكومي او رفض ذلك وما يترتب عنه من تبعات تصل الى انتخابات تشريعية مبكرة.
خيارات تدرك جل الاحزاب انها ملغومة وانها لن تظفر بالكثير في اي منها، وخاصة حركة النهضة التي لم تتأخر في الرد على كلمات إلياس الفخفاخ التي قرأتها على انها خطر بشكل مباشر باعتبارها محاولة لسحب بساط الشرعية من مجلس النواب لفائدة الرئيس، اي تهميش المجلس والحركة وشيخها لصالح القصر ورئيسه.
فالنهضة اعتبرت ان الفخفاخ بحديثه عن شرعية الرئيس الانتخابية اراد ان ينزع الشرعية من الاحزاب والبرلمان، اي انه يجعل من شرعية الرئيس هي الشرعية الاعلى ومن بعدها ياتي البقية مستندا إلى نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي حصد فيها قيس سعيد 2.7 مليون صوت.
هذا البحث عن سحب بساط الشرعية من الاحزاب، له تداعياته التي تخشاها النهضة والتي عبر عنها سيد الفرجاني القيادي بها وعضو مجلس النواب ان ما اتاه الفخفاخ هو «انقلاب» على الشرعية. فالرجل يدرك ان الذهاب في هذا الخيار الذي يفرضه المكلف بتشكيل الحكومة هو بمثابة الاقرار الصريح بان شرعية الرئيس تسبق باقي الشرعيات ، وهذا ما تخشاه النهضة لعدة اسباب اولها انها بذلك تهمش المجلس مقابل الرئاسة وقيامها بذلك يعنى انها ستهمش رئيسها راشد الغنوشي.
تهميش ان تم فانه سينسف استراتيجية الحركة التي قامت منذ انتخاب الغنوشي رئيسا للبرلمان على توسيع صلاحيات المجلس وتركيز النظام البرلماني خطوة بخطوة، والذي يؤدي في النهاية الى تجذير الحركة في الساحة التونسية ، ويضع حدا لمخاوف اقصائها من المشهد.
حركة تعتبر انها بقبول تمشي الفخفاخ ستكون قد جردت نفسها من اية اليات الفعل والتأثير في المشهد السياسي وان كان لها تمثيلية هامة في الحكومة، فهي في النهاية حكومة الرئيس لا حكومة النهضة، ان نجحت سينسب النجاح للرئيس وان اخفقت ستتقاسم النهضة والبقية الفشل. وليس هذا فقط ما تخشاه النهضة بل هي تخشى ان تنزلها وقبولها بالدخول تحت مظلة
شرعية الرئيس قد لا يكون كافيا في السنوات الخمس القادمة لتحقيق نتائج افضل .
نظريا، ان كانت الخسائر اكثر من المغانم فان الخيار المنطقي هو الرفض، ولكن حتى هذا حرمت منه النهضة، فرفضها سيعزز فرضية الانتخابات التشريعية المبكرة وهذا ان تم فانها ستكون كمن يمكن غريمه من فرصة لتوجيه ضربة قاتلة، فالحركة تدرك ان الاشهر الثلاثة الفارطة كانت مجرياتها لصالح الدستوري الحر الذي تنامت شعبيته وتوسعت قاعدته الانتخابية
وبات ابرز مستفيد من انتخابات مبكرة.
انتخابات ان اجريت ستضع النهضة وجها لوجه مع الدستوري الحر وهذه المرة الوضع المريح للغريم وليس لها، وهذا ما قد يجعلها غير متحمسة كثيرا لانتخابات مبكرة ستفرز في النهاية مشهدا تعتبره النهضة اكثر تعقيدا مما هو عليه اليوم.