المتابع في مرحلة إنتظار أخرى قبل الدخول فعليا في السنة السياسية .
مدّة الانتظار هذه لن تكون تقنية في انتظار التئام الجلسة العامّة الّتي حدّد موعدها ليوم الجمعة 10 جانفي 2020 وهو الموعد الذي اختارته كتلتا حركة النهضة وحزب قلب تونس و المتحالفين معهما بدل يوم الثلاثاء 7جانفي 2020 المقترح من بقية الكتل .
لعلّ اختيار يوم الجمعة الّذي حرص عليه رئيس مجلس النواب كان تبرّكا بهذا اليوم ، و في نفس الوقت أخذ مهلة لترك المجال للحصول على التوافق حول ضمان نيل التشكيلة المقترحة لثقة نواب الشعب ، حسب تعبير الغنوشي.
و لكن الهاجس الآخر الخفي من ترحيل الجلسة العامّة لمدة أسبوع هو توفير امكانية تعديل التشكيلة بعد أن تعرف مهندسوها على ردود فعل الأحزاب والمجتمع المدني و بعض المنظمات و المحللين السياسيين بخصوص التركيبة المقترحة .
إن ردود الفعل السلبية ليست فقط بسبب العدد المضخم من الحقائب في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى مزيد من التقشف ، و إنّما في هيمنة حركة النهضة على أهم الحقائب و في عدم ثبوت توفر الكفاءة في عدد من الوزراء و كتاب الدولة و عدم صحة توفر نسبة 40 ٪ من التشكيلة من النساء كما سبق أن صرّح بذلك رئيس الحكومة المكلف .
هذا الأخير سقط في أول امتحان له لنيل ثقة الرأي العام قبل مجلس النواب ، لأن تأكيده على إستقلالية حكومته عن كل الأحزاب و بكونها ستكون حكومة كفاءات ، كان مجرد زيف ،و هو أمر تعرّف عليه المتابعون في مختلف المواقع و المنابر .
هذا التقبل السلبي لدى العموم ، شكّك في صحة ما صرّح به رئيس الحكومة المكلف ، وهو ما سيشكّل ضعفا في إنطلاقة الجملي و حكما مسبقا على مستقبل التواصل مع الشعب بخصوص عدم أخذ وعوده و مواقفه موقف الجد.
لقد كان الأجدى التصريح من أوّل وهلة بأن التشكيلة من اختيار حركة النهضة بالتشاور مع حزب قلب تونس و تشكيلات أخرى مع تطعيمها بأسماء لم تر حركة النهضة مانعا من منحها حقيبة ما . عندها كان سيسلّم الجميع بأن حركة النهضة ستتحمل مسؤولية إختياراتها و يكون من حقها البحث عن سبل ترضية من يخطب ودّها لتدعيم ما تعتبره حزاما للحكومة المنتظرة أو لدعم الأغلبية الّتي تطمح إليها في مجلس نواب الشعب . لو تم هذا صراحة لوفّر السيد الحبيب الجملي على نفسه عناء التمسك بالشيء و نقيضه ومن حرج الإقناع بما يُقنع ، وبدا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي صاحب موقف متماسك بعيد عن التذبذب والتكلّف .
إذن القول بأن التشكيلة المقترحة من السيد الجملي ، حكومة نهضوية ، هو القول الأقرب للتصديق ،و لو تمّ التصريح بذلك لكان موقفا سياسيا شجاعا ينمّ على إقدام لحركة النهضة خاصة على تحمّل المسؤولية كاملة عن هذا الخيار و تبعاته .
كما أن القول بأن الحكومة حكومة كفاءات ، لا يمكن التسليم به ، إذ أن عددا لا يستهان به من المقترحين لم يعرف عنهم حيازتهم لأي قدرة على تولي شأن سياسي بإقتدار و على تميّزهم في الشأن الّذي كلفوا بالاضطلاع به . و قد كان الأجدى أيضا الكشف عن حقيقة التمشي الّذي تم اتباعه لتبرير العديد من الاختيارات غير المقنعة .
إن رئيس الجمهورية الّذي قيل أنه تمّ التشاور معه ، لم يكن بمنأى عن الانتقاد ، لأنه تمّ التطرق إلى تدخله في التسميات و لم ينف ذلك ،و بالتالي لن يمكن لرئاسة الجمهورية التنصل من مسؤولية تسمية الوزارتين اللّتين تعنياه مباشرة .
إذن كل ما قيل عن الحكومة المنتظرة كان مجرّد كذبة « سوداء» لا تمتّ للكذب الأبيض بصلة ، يصح عليها قول الشاعر منور صمادح «شيئان في بلدي قد خيبا أملي... الصدق في القول والإخلاص في العمل» ...
فهل سيدفع رد الفعل السلبي على تشكيل الحكومة رئيس الحكومة المكلف و من ورائه حركة النهضة ، إلى مراجعة إختياراته في غياب مانع قانوني لذلك قبل إنقضاء الآجال المحدّدة دستوريا، و في نطاق تعديل قد يقترحه رئيس الجمهورية في حدود ما يخصّّه على الأقل؟
هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة لقطع حبال الإنتظار ...