بالخدعة الرئيسية دون أن يكشف أمره، واليوم في المشهد التونسي لدينا مشاورات تشكيل الحكومة تقوم على الإلهاء والعروض الثانوية من قبيل شروط التفاوض والتلويح بانتخابات تشريعية مبكرة تمهيدا لـ«الطبق الرئيسي» وهو تحالف الأضداد مرة أخرى.
منذ الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي أفضت الى فوز حركة النهضة ب52 مقعد، مما منحها أحقية إجراء مشاورات تشكيل الحكومة القادمة، والمشهد السياسي والحزبي قائم على الكر والفر، وكأن الانشغال بالدور الثاني من الانتخابات الرئاسية حال دون ان يهيمن الكر والفر على المشهد.
لكن وبمجرد الإعلان عن النتائج الأولية للرئاسية، هيمنت الأحزاب ومفاوضاتها على المشهد، فحركة النهضة التي -ومنذ الأيام الأولى- واجهت اللاءات الثلاث، من قبل حركة تحيا تونس والتيار الديمقراطي وحركة الشعب، سعت الى محاولة ايجاد ثغرات من خلال دفع هذه الأحزاب الى التحالف معها لتشكيل حكومة جديدة.
ثغرات انطلقت بمحاولة الإحراج والتشديد على أهمية تشكيل الحكومة للصالح العام لاحقا. وبعد ان ردت الاحزاب على محاولات لاحراجها باحراج مقابل، انتقلت الحركة الى خطوة ثانية وهي الحديث عن وضع برنامج حكم على ارضيته تحدد التحالفات لكن هذا بدوره وصل الى طريق مسدودة، ولم يبق لحركة النهضة إلا أن تعلن أنها وفي ظل مواقف الأحزاب الثلاثة التي تبحث عن التحالف معها، تحيا والتيار وحركة الشعب، فإنها ستتمسك بأحقيتها في تشكيل حكومة سياسية بزعامة شخصية نهضاوية وانه على البقية إدراك ان النهضة لا ترغب في الذهاب الى انتخابات تشريعية مبكرة ولكنها لا تخشاها.
هذه العبارات التي قيلت أمس في اجتماع مجلس شورى النهضة، لم تكن بالأمر المفاجئ فمنذ أكثر من أسبوع وجل قادة النهضة الذين أدلوا بتصريحات لوسائل الإعلام كرروا هذا التهديد المبطن، وهو ان النهضة وان لم تكن ترغب في انتخابات تشريعية مبكرة فإنها ستتجه إليها اذا فشلت في إقناع حلفاء بالانضمام لحكومتها.
هذا القول والتلويح بدفع البلاد إلى انتخابات جديدة، تلقفته الأحزاب المعنية وردت عليه مرة اخرى بما تنتظره النهضة انها لا تخشى الانتخابات المبكرة، وان تمت فلن تكون في صالح حركة النهضة التي بدورها أملت ان تثير تهديداتها خشية الأحزاب الثلاثة وتدفعها الى الحفاظ على نتائجهم الايجابية في هذه الانتخابات الى الهرع الى النهضة والتحالف معها كخيار الضرورة وليس الرغبة.
لكن كل هذا الاداء السياسي يبدو انه ليس الا «الالهاء» في العرض، فالنهضة وهي تلوح بسيف الانتخابات التشريعية المبكرة تدرك ان بقية الأحزاب مثلها تعلم ان الانتخابات القادمة قد تضر بحركة النضهة اكثر من غيرها، خاصة اذا قرر الرئيس المنتخب قيس سعيد دعم قائمات تشريعية منخرطة في تصوره لاصلاح النظام السياسي.
خطر لن يقتصر على التيار وحركة الشعب وتحيا تونس بل أن أولى ضحاياه ستكون حركة النهضة المهددة بخسارة ما تعتبره «نصرا» لهذا فان التلويح بالانتخابات لا يهدف بشكل اساسي الى دفع الاحزاب للتحالف مع النهضة وانما ايجاد مبرر للتحالف القادم.
هذا هو الالهاء، ففي خضم انشغال الجميع بالانتخابات التشريعية المبكرة وما قد تودي اليه ستلقى النهضة بحلها الاخير لتجنب الازمة، وترك البلاد لاكثر من 9 اشهر دون حكومة، والحل سيكون امكانية التحالف مع قلب تونس.
تحالف تنفي النهضة امكانيته بل انها تشدد على انها تستبعد قلب تونس من مشاورات تشكيل الحكومة، لكن هذا الرفض والتمسك بعدم التحالف مع قلب تونس لن يصمد للنهاية، بل ما هو مرشح وبقوة ان يتحالف الطرفان في حكومة بالاستعانة بالمستقلين او بعض الاحزاب ذات المقاعد المحدودة.
فرضية تعززها محاولات الالهاء التي تقوم بها النهضة بهدف جعل التحالف مع قلب تونس امرا مستساغا لدى انصارها وقواعدها، وهي تهيئ الامر لهم بجعل خيار التحالف حتميا نتيجة لمواقف بقية الاحزاب وليس لرغبة الحركة، التي ستكشف عن عرضها الرئيسي في قادم الايام بعد ان مهدت له بعروض ثانوية مهمتها «الالهاء».