خاص: نوايا التصويت بعد الخروج من مكاتب الاقتراع في الدور الأول للانتخابات الرئاسية تسونامي منتظر : مرور قيس سعيد ونبيل القروي إلى الدور الثاني

• تصويت عقابي شامل لمنضومتي الحكم والمعارضة
• صعود مدو للتيارات الشعبوية بمختلف مدارسها


قراءة وتحليل زياد كريشان
باح الصندوق بأول أسراره وفق عملية سبر نوايا التصويت بعد الخروج من مكاتب الاقتراع التي قامت بها مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» وخصصت للدوائر الانتخابية داخل تراب الجمهورية وقد افرزت تقدم كل من قيس سعيد ونبيل القروي ومرورهما إلى الدور الثاني محدثين بذلك مفاجأة صادمة لأجزاء كبيرة من الرأي العام إذ لا ننسى أن الفائزين في الدور الأول لم يتحصلا إلا على حوالي ثلث أصوات الناخبين بما يعني أن ثلثي الناخبين ليسوا سعداء اليوم على عكس 2014 حيث حصل الفائزان في الدور الأول الفقيد الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي على حوالي ثلاثة أرباع أصوات الناخبين ..

الفارق الأساسي بين انتخابات 2014 و2019 هو انتقالنا من الاستقطاب الثنائي الحاد بين النداء والنهضة وممثليهم المباشر للنداء وغير المباشر للنهضة إلى حالة من الاستقطاب متعدد الأبعاد فلم يعد الخوف من الإسلام السياسي أو الدفاع عنه المحور المهيمن والمهيكل للحياة السياسية كما يتجلى من خلال تصويت التونسيين.

بغض النظر عن شخصيتي المرشحين إلى الدور الثاني غير النمطية فلن يكون الفائز منهما رئيسا قويا لان المتصدر فيها (قيس سعيد) لم يحرز إلا على خمس أصوات الناخبين وعشر أصوات المسجلين بما سيعطينا رئيسا ضعيف السند شعبيا، ولكن ذلك لا يمنع من الإقرار بسلامة العملية وباستحقاق المعنيين بالأمر المرور إلى الدور الثاني والتنافس فيما بعد على كرسي قرطاج ،والحالة الوحيدة التي قد تمنع هذا المآل هي إسقاط احدهما أو كليهما من قبل هيئة الانتخابات بتهمة اقتراف جرائم انتخابية جسيمة قد تصل إلى حد الإلغاء الكلي أو الجزئي للأصوات التي تحصل عليها كل واحد منهما .. ولعله ينبغي الانتباه إلى مسالة التجاوز المشط لسقف الإنفاق الانتخابي والتي إن وصلت إلى %70 فهي تسقط نتائج المترشح المعني بها ..

هل سنكون أمام سابقة أولى وهي إسقاط احد المترشحين الفائزين إلى الدور الثاني ؟ يبدو أن الأمر صعب وصعب للغاية إن لم نقل انه مستبعد جدا .

إذن سيكون الرئيس القادم احد رجلين :
قيس سعيد او نبيل القروي وذلك رغم انف كل الذين صوتوا لغيرهما وهم كما أسلفنا ثلثا الناخبين وحوالي %85 من كامل الجسم الانتخابي ..

حول نسبة التصويت والعزوف عن الانتخابات
عندما رأينا الاهتمام المتزايد لدى عامة التونسيين بهذا الموعد الانتخابي والأرقام الخيالية لمشاهدة المناظرات التلفزية والتي ناهزت 4 ملايين في جولتها الأولى كنا نتوقع تبعا لذلك نسبة مشاركة في التصويت مرتفعة للغاية ولكن الأرقام الأولية التي قدمتها هيئة الانتخابات تفيد بأننا لن نبلغ نصف المسجلين لكننا لن نكون بعيدين كثيرا عن عدد المقترعين في الدور الأول لرئيسيات 2014 ولكن الواضح أن عملية التسجيل الضخمة التي بدأت منذ أشهر وأضافت إلى السجلات الانتخابية حوالي مليون ونصف مليون ناخب لم تكن مؤشرا على تجاوز التونسي لحالة العزوف التي لمسناها بقوة في بلديات 2018 ولكن قد تكون وراءها آلات سياسية ضخمة ولكنها لم تتمكن من تحويل التسجيل إلى تصويت .

الهزيمة النكراء لأحزاب وشخصيات منظومة الحكم
لقد منيت منظومة الحكم بكل ممثليها بهزيمة نكراء في هذه الانتخابات فبعد أن كانت تمثل أكثر من %70 في 2014 تراجعت الى ما دون الثلث في 2019،ونقحم بالطبع في منظومة الحكم مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو (%11.0) وكل الأحزاب والشخصيات المنحدرة من نداء تونس التاريخي وعلى رأسها وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي (%9.4) ورئيس الحكومة يوسف الشاهد (%7.5)

هنالك من يعتقد انه كان بامكان العائلة الوسطية ان تكون حاضرة في الدور الثاني لو اتفقت على مرشح واحد ،ولكن هذه فرضية نظرية إذ الواضح أن التمزق الذي ميز هذه العائلة طيلة الخماسية الفارطة كان يمنع بقوة هذه الإمكانية.
إن الخطأ الأساسي بين راسي هذه العائلة هو قيام حرب باردة بينهما أضعفت من حظوضهما ومن جدية امكانية تمثيلهما لأمل جدي لتونس ..

كما أن حركة النهضة قد منيت بدورها بهزيمة قوية اذ وجدت مرشحها خارج السباق النهائي وبأضعف نسبة وطنية حصلت عليها منذ بداية الثورة ..

ولسنا ندري هل ستتمكن هذه الأحزاب من تدارك نسبي لأمرها في التشريعية القادمة أم أن عملية العقاب هذه ستتواصل لكي تغير التوازنات السياسية رأسا على عقب .

عقاب منظومة الأحزاب
العقاب الصارم لم يطل فقط منظومة الحكم بل شمل أيضا المنظومة الحزبية المعارضة البارزة خلال هذه السنوات الأخيرة فلا الجبهة الشعبية ،المنقسمة اليوم،ولا الحراك او البديل او التكتل ولا بدرجة اقل التيار الديمقراطي او حتى الحزب الدستوري الحر ولا بقية الأحزاب تمكنت من وضع مرشحيها في مواقع متقدمة إذ لا نجد داخل العشرة الأوائل سوى عبير موسي عن الدستوري الحر في المرتبة الثامنة بـ%5.1 ويليها محمد عبو عن التيار الديمقراطي بـ%4.3 وكأن الناخبين عاقبوا أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة كذلك محملين اياها جزءا من الازمة التي تعيشها البلاد ..

صعود مدو للتيارات الشعبوية
الملاحظة الابرز في هذه النتائج التقديرية للنتائج الانتخابات الرئاسية داخل التراب التونسي هو التقدم الكاسح للتيارات الشعبوية وبمختلف مدارسها اذ نجد 6 مترشحين يمكن وصفهم بالشعبوية من بين العشر الاوائل وعندما نجمع كل الأصوات التي تحصل مختلف ممثلي التيارات الشعبوية نجد ان تجاوزت نصف الأصوات بوضوح بما يفيد ايضا بان الناخبين قد سئموا من العروض السياسية التقليدية وانهم يريدون إحداث نقلة جوهرية في الطبقة السياسية وفي مضمون خطابها ايضا .

كيف صوت التونسيون ؟
تعطينا النتائج التقديرية للدور الأول للرئاسية داخل التراب التونسي اي في 27 دائرة انتخابية من أصل 33 صورة عن السوسيولوجيا الانتخابية .
-الفائزان في الدور الأول تميزا بتصويت نسائي لافت وخاصة لنبيل القروي الذي صوتت له %20.4 من النساء مقابل %12.4 ونفس الأمر نجده عند قيس سعيد وإن كان بأقل وضوح : %22 من النساء مقابل %18 من الرجال
-لعل ما يفسر التقدم الواضح لقيس سعيد هو التصويت المكثف للشباب لفائدته ففي الشريحة ما بين 18 و25 سنة صوت لقيس سعيد %37 منهم بينما لم ينل القروي من هذه الشريحة سوى %8.7 ويواصل قيس سعيد التقدم في شريحة 26 - 45 سنة بـ%20.3 مقابل %13.3 لنبيل القروي
ولكن مع التقدم في السن يتقدم القروي على سعيد بوضوح : %19.9 مقابل %10.3 لدى شريحة ما بين 46 و60 سنة اما عند من يتجاوز 60 سنة فسيتصدر القروي المشهد بـ%25.4 بينما يغيب سعيد عن الخمس الأوائل
-الفرق في المستوى المعرفي واضح جدا في القاعدتين الانتخابيتين للمؤهلين للدور الثاني فبينما يحصد القروي اهم نجاحاته عند الأميين (%40.8) وذوي المستوى الابتدائي (%29.1) يحقق سعيد أفضل نتائجه عن أصحاب مستوى التعليم الثانوي بـ%20.6 والتعليم العالي بـ%24.7
-جهويا نجد ان نقاط قوة سعيد تكمن في الشمال الغربي (باجة وسليانة وجندوبة والكاف) بـ%25 وكذلك بالشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل ) بـ%23 بينما تكون نقطة ضعفه السياسية في الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي )بـ%11.7
اما نبيل القروي فيحقق أفضل نتائجه كذلك في نفس المناطق : %24.9 في الشمال الغربي و%20.1 في الشمال الشرقي وتكون نقطة ضعفه الأساسية في الجنوب الشرقي ( قابس ومدنين وتطاوين ) بـ%8
فالناخب النموذجي لقيس سعيد هو فتاة شابة ذات مستوى تعليم عالي من إحدى ولايات الشمال الغربي بينما يكون الناخب النموذجي لنبيل القروي هو سيدة مسنة امية من إحدى ولايات الشمال الغربي وهكذا نرى مواطن التقاطع والتباعد السوسيولوجي في القاعدتين الانتخابيتين للفائزين بالدور الاول ..

من اين جاء هؤلاء الناخبون سياسيا !
الفائزان في الدور الأول لم يكن لها اي وجود سياسي منذ أشهر ، فمن أين أتيا بهذه القاعدة الانتخابية ومن اي مخزون تمكنا من تحويل وجهة ناخبيهما الجدد ؟
عندما يطرح السؤال على المستجوبين حول طبيعة تصويتهم في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 نجد صورة لا تنطبق على ما يشاع من جمهور الرجلين.
خمس الذين صوتوا لقيس سعيد (%20.6) قد صوتوا لنداء تونس في 2014 مقابل %15 فقط سبق لهم وان صوتوا لحركة النهضة ،أما الخزان الاكبر والذي يمثل
القاعدة الانتخابية لقيس سعيد (%32.9) فهم لم يكونوا مسجلين في 2014 اي أن جلهم من الشباب الذي صوت لأول مرة او ربما لثاني مرة في حياته باحتساب بلديات 2018.
اما بالنسبة للقاعدة الانتخابية لنبيل القروي فالوضع مختلف اذ نجد ان %42.7 قد سبق لهم ان صوتوا لنداء تونس في 2014 مقابل %14.5 للنهضة (تمام كقيس سعيد) في حين ان خمسهم (%21.0) لم يسبق لهم التصويت لأنهم لم يكونوا مسجلين في 2014 والأرجح انهم من كبار السن لا من فئة الشباب كما هو الحال بالنسبة لقيس سعيد ..

والآن ؟
الآن وفي انتظار إعلان الهيئة الانتخابات للنتائج الأولية يوم الثلاثاء 17 سبتمبر يمكن ان نقول بان جل الطيف السياسي سيستفيق على تسونامي لم يكن يتصوره ولكن الصناديق قد نطقت بإرادة الناخبين .
والسؤال اليوم كيف سيتصرف المنهزمون الأربعة والعشرون وخاصة من يمثلون أحزاب او توجهات لها وزن في المشهد القادم ؟
هل سيدعون للتصويت لأحد الرجلين أم سيلوذون بالصمت وبالحياد السلبي ؟
وهل سنشهد خلال الأيام القادمة عمليات «التحاق» تحت شعار «اركب لا تمنك»؟ ثم اي تأثير لهذه النتائج بعد ثلاثة أسابيع فقط اي يوم التصويت على نواب البرلمان القادم ؟ وهل ستصطف بعض القائمات المستقلة لمساندة متصدر الترتيب قيس سعيد وهل سيدعمها هو بدوره قصد الحصول على كتلة نيابية في صورة فوزه بالرئاسية ؟

ثم كيف سيتصرف القضاء في مسالة نبيل القروي ؟ وهل سيصدر قرار قضائي بإطلاق سراحه ام سيواصل القبوع في السجن ؟
ثم في صورة فوزه بالرئاسية وهو في السجن كيف ستتصرف مختلف مؤسسات
الدولة ؟ هل سيسمح له بأداء اليمين ؟ وهل سيعلن رئيسا جديدا للبلاد وهو في حالة ايقاف ؟
أسئلة كثيرة لا نملك أجوبتها اليوم ولكن الأكيد أن هذا التسونامي المرتقب سيغير المشهد السياسي ووجه تونس في الداخل والخارج رأسا على عقب ..
نحن امام مرحلة انتقالية ثانية بدأت أكثر راديكالية مما كنا نعتقد، مرحلة لا نتوقع ان تتقلص فيها المخاطر او ان تجد فيها البلاد بداية المخرج من أزماتها المتعددة..
لقد نطق الصندوق، أو يكاد، والآن لا ندري في اي مرمى ستكون كل هذه الكرات المتعددة.

الجذاذة التقنية

عدد الدوائر الانتخابية 27/33
عدد المعتمديات 267/274
عدد العمادات 743/1973
عدد مراكز الاقتراع 778/4554
حجم العينة 38.900
هامش الخطأ على مستوى الوطني اقل من %1
فريق سيغما كونساي
800 باحث ميداني 100 عون استقبال
50 مراقب 50 عون مراقب
15 مهندس إحصائي
1015 عون

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115