وذلك قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات الرئاسية واقل من شهرين من الانتخابات التشريعية مما يجعل النتائج ذات اهمية لكل من يطمح للعب دور في الخماسية القادمة.
مع انشغال الشارع التونسي والطبقة السياسية بالاستحقاق الرئاسي السابق لاوانه جرت يوم السبت والاحد الفارط ثلاثة انتخابات بلدية جزئية في ثلاث ولايات تونسية٫ باجة- تيبار والكاف -السرس والقصرين - العيون، وأعلن عن نتائجها الاولية منذ يوم امس٫ وقد حملت الكثير من الموشرات التي يجب الوقوف عندها.
لكن قبل الخوض في هذه الموشرات وتفاصيلها، يجب التاكيد بداية انه لا يمكن تحميل الانتخابات البلدية الجزئية في ثلاثة دوائر اكثر مما تحتمل، ولا يمكن النظر اليها لاستخراج ذات النتائج فالوضع مختلف من دائرة الى اخرى كما ان نسبة المشاركة٫ التي كانت أدناها 20 % , وأعلاها 48 % في العيون، وهي نسب وان كانت جد مماثلة لنسب المشاركة في الدوائر الثلاثة في انتخابات ماي ٢٠١٨ الا انها تظل خاصة لا يمكن ان تعتمد كنتائج تعكس حقيقة المشهد الانتخابي او التوازنات السياسية العامة بالبلاد لا سيما وان كيانات سياسية هامة لم تشارك في هذه الانتخابات الجزئية او اقتصرت مشاركتها علي دائرة من الدوائر الثلاثة وقائمات هذه الكيانات تطول وتمتد لتشمل الحر الدستوري وقلب تونس والجبهة الشعبية ونداء تونس وغيرها.
لكن هذه الخصوصية لا تحول دون ابداء ملاحظات عامة خاصة بكل دائرة منفردة وملاحظات تجمع بين ما تقدمه ثلاثتها، من مؤشرات اولية عن المزاج العام للناخب التونسي وعن الكيانات الحزبية وما حققته من ربح او خسارة، واخيرا ما يمكن اعتباره طيفا لمشهد انتخابي عام يمكن استخلاصه بربط نتائج الانتخابات البلدية الجزئية التي شهدتها تونس سنة ٢٠١٩.
السرس
يبدو جليا ان الانتخابات الجزئية بالسرس تقدم صورة ”قاتمة” للاحزاب السياسية خاصة النهضة وتحيا تونس، اذ ان الدائرة البلدية من ولاية الكاف التي تضم حوالي ١٠ آلاف ناخب مسجل لم يشارك منهم سوى ١٩٢٠ ناخب اي اقل من ٢١ بالمئة وهي تقريبا ذات النسبة في ٢٠١٨ لكن بتوزيع جديد يربك الاحزاب، ففي ماي ٢٠١٨ عكست السرس ما يمكن اعتباره افضلية نسبية لحركة نداء تونس على حركة النهضة في الشمال وخاصة الشمال الغربي الذي اكدت الانتخابات البلدية انه خزان انتخابي للنداء وللعائلة الوسطية الدستورية٫ لكن حصل التغيير في الانتخابات الاخيرة اذ ان حركة نداء تونس التي فازت في ماي ٢٠١٨ بـ٨ مقاعد وحققت نسبة تتجاوز ٤١ بالمئة اندثرت ولم تتمكن من الحفاظ علر مقعد وحيد باسم الحركة ليحل محلها المستقلون. اذ حققت قائمتان مستقلتان، احداهما شاركت في انتخابات ٢٠١٨ وحافظت على ذات نسبة الاصوات والمقاعد وهي قائمة الامل التي شاركتها قائمة السرس تنتصر بعدد المقاعد وهي٦ وان بنسب اقل، لكن الظاهرة البارزة ان الدائرة التي منحت قبل اكثر من سنة ثقتها لاحزاب بحوالي ثلثي ناخبيها قد عدلت بوصلتها ومنحت الثلثين هذه المرة للمستقلين فيما توزع الثلث الباقي على حركة النهضة وتحيا تونس التي فازت كل منهما بثلاثة مقاعد ولكن حققت ما لم يتمكن اي منهما من تحقيقه اكثر من ١٤ % نسبة تصويت لتتقاسم حركة النهضة وتحيا تونس «الخسارة» في هذه الدائرة ولئن اخفقت النهضة في الحفاظ على عدد مقاعدها وعلى نسبة من صوت لها فقد فقدت مقعدا كما خسرت قرابة ٩ نقاط كاملة لتتراجع من ٢٣ الى ١٤ لكن خسارتها تظل محدودة مقارنة بتحيا تونس الذي فشل في اقناع خزان النداء الانتخابي الذي منح الحركة في ماي ٢٠١٨ مقاعد وقرابة نصف الاصوات، فتحيا تونس الذي يقدم نفسه كوريث وحيد للنداء حل رابعا بعدد اصوات ٢٥٣ وهي لا تمثل الا خمس من صوت للنداء في ٢٠١٨ ولم تتجاوز عتبة ١٣ بالمئة.
تيبار
دائرة تيبار من ولاية باجة تقدم موشرات مختلفة عن السرس، وان كانت كسابقاتها حافظت على ذات نسبة المشاركة وهي في حدود ٢٢ بالمائة، لكن بتوزيع جديد هذه المرة بعد ارتفاع عدد المشاركين من ثلاثة قائمات الى ٦ اثنتين منهما مستقلتين، وهما اللتين حلتا في المرتبة الاولى والثانية، حصدتا ٨٤٠ صوت من اصل ١٤٠١ اي اكثر من النصف مما منحهما ١١ مقعدا في المجلس البلدي المنتخب، وهو مجلس كان في الساب تحت هيمنة نداء تونس الذي كانت تيبار احد افضل نتائجه اذ حقق فيها نسبة ٤٩ بالمئمة من الاصوات المصرح بها وفاز بنصف مقاعدها متقدما على حركة النهضة والجبهة الشعبية.
هذه النتائج باتت من الماضي فالنداء برز في هذه الانتخابات الجزئية كاكبر خاسر اذ لم يحصد الا ٦٩ من الاصوات منحته مقعدا وحيدا وهذا اسوء من خسارة النهضة التي تراجعت من سبعة مقاعد الي ثلاثة وخسرت قرابة نصف ناخبيها في الدائرة مقارنة بـ٢٠١٨.
لكن مقابل خسارة هذه الكيانات الحزبية فازت كل من حركة الشعب والتيار بموطئ قدم في تيبار وان لم يحقق اي منهما نتائج تتجاوز ٥ بالمائة من الاصوات فانهما مثلتا بعضو مجلس بلدي لكل منهما، اما الفائز الابر فهم المستقلوون الذين يبدو انهم اقنعوا الناخب في الدائرة وهذا يمنح موشرا عن المزاج العام للناخب في تيبار.
العيون
هذه الدائرة قد تكون المفاجآة السارة لحركة تحيا تونس ولكنها لا يمكن ان تعتمد كمقياس للوضع العام٫ فالدائرة البلدية من ولاية القصرين حققت اعلى نسبةمشاركة لتقارب ٤٩ بالمئة وهي تقريبا ذات النسبة في ٢٠١٨، لكن مع تعديلات في التوزيع اذ حلت حركة تحيا تونس اولا بحوالي ٨٠٠ صوت مثلت حوالي ٢٠ من الاصوات المعتمدة. وهذه اعلي نسبة حققتها تحيا تونس في كافة الانتخابات الجزئية التي شاركت فيها منذ تاسيسها. لكن هذه النتائج لا تعني ان تحيا تونس قد تكون لها الكلمة العليا في المجلس البلدي الذي فازت القائمات المستقلة مجمعة باكثر من ثلثي مقاعده كما فازت بثلاثي الاصوات المصرح بها.
الاكيد أن هذه الانتخابات الجزئية ليست حاسمة لا للرابحين ولا للخاسرين ولكن من يريد لعب الأدوار الأولى في 6الاستحقاقات القادمة عليه النظر اليها كل على حدة والاهم ان يربط بينها الثلاثة مع ماسبقها من انتخابات جزئية ليقف على المؤشرات والتي ولئن كانت لا تعني الكثير في اطلاقها الا انها تقدم ومضة عما قد يحدث في الاستحقاق القادم في سبتمبر وفي اكتوبر.
فالانتخابات الجزئية في الدوائر الثلاثة حدثت وتونس علي بعد اسابيع قليلة عن الاستحقاق الرئاسي والتشريعي وهذا يجعل من الموشرات التي تقدمها الانتخابات وان كانت جزئية الا ان لها دلالات. اذ يبرز بشكل جلي ان الناخب في الدوائر الثلاثة اتجه للمستقلين، وخاصة في الدائرتين اللتين كانت الغلبة فيهما لحركة نداء تونس التي يبدو انها باتت مهددة بالاندثار إذا لم تتدارك الوضع او تشهد معجزة انتخابية.
فالنداء الذي كان يهمين علي دائرتين فقدهما بشكل تراجيدي وخسر معهما خزانه الانتخابي وهذا مؤشر في غاية الخطورة بالنسبة للحركة التي يبدو انها قاربت على نهاية قصتها بعد خسارتها لانصارها وناخبيها المحتلمين، ناخبون لم يجدوا في حركة تحيا تونس من يمثلهم وهذا ما كشف عنه توجه اكثر من النصف الى التصويت لمترشحين من خارج النداء التاريخي الذي عملت تحيا تونس علي تمثيله ولكنها والي غاية الان عاجزة علي طبع هذه الصورة الذهنية لدي الخزان الانتخابي للعائلة الوسطية وخاصة خزان نداء تونس في ٢٠١٤.
خسارة الاحزاب لا تقف عند هئا الحد اذ ان النهضة بدورها عانت من خسارة جزء من خزانها الانتخابي في ٢٠١٨ وهذا اشد عليها من خسارة تحيا تونس، فالحركة التي ظنت انها تمكنت من تحديد خزانها الانتخابي العقائدي وجدت نفسها في جل الدوائر التي شاركت في انتخاباتها الجزئية فيها تخسر اكثر من ثلثه واحيانا النصف وهذا مؤشر خطير للحركة التي تريد لعب دور متقدم في الرئاسية والشريعية٫
مقابل هذا التراجع لابرز حركتين كانتا قبل اشهر تراهنان علي الفوز بالانتخابات باريحية وباتتا اليوم امام تحد كبير يبرز عنصرا هاما وهو النزعة العقابية في التصويت التي لم تتراجع بعد لدى الناخب التونسي بل تعززت اكثر وهذا قد يكون في صالح مرشحين وكيانات سياسية بعينها تتبنى خطابا رديكاليا ولكن هذا غير ثابت اذ ان النزعة العقابية مازالت في طور التشكل ولا يعلم الى اين قد تتجه لاحقا.