وفي عمليتين انتحاريتين متزامنتين استشهد فيها مهدي الزمالي وهو حافظ أمن بالشرطة البلدية وجرح حسب الحصيلة الرسمية خمسة أعوان أمن وثلاثة مدنيين.
ردة فعل المارة كانت رائعة: رفض الهروب والتغني بالنشيد الوطني وإجماع على الإرادة في سحق هذه الآفة ودحرها نهائيا من بلادنا..
نعتقد أن هذا هو الأساسي وان كل التخمينات الأخرى حول عملية لا نملك كل معطياتها تبقى مجرد تخمينات وقراءة في المعطيات المتوفرة للجميع فقط ليس إلا..
لا يجادل احد في أننا لسنا بالضبط أمام عمليتين لذئبين منفردين حسب المصطلحات الإرهابية إذ يقتضي حمل حزام ناسف – مهما كانت بدائيته – شبكة دنيا لصناعته ولإيصاله لمنفذي العمليتين، ثم تزامن هاتين العمليتين يوحي بالطبع بوحدة مركز القرار والاختيار ..
ولكن كل هذا لا يعني أننا أمام عملية معقدة خطط لها «دماغ» استراتيجي وتخير الزمان والمكان كما يريد فنجد أن ذاك يربطها ببداية الموسم السياحي والآخر بالانتخابات بل وحتى بالمرض المفاجئ لرئيس الدولة..
ننسى أحيانا بأننا حيال مجموعات ملاحقة تخشى الاختراق الأمني واكتشاف أمرها في كل لحظة وأن هذه المجموعات قد فقدت الكثير من فاعليتها وقدرتها على الإيذاء خاصة بعد هزيمتها النكراء في بن قردان في مارس 2016، فنحن أمام محاولات متفرقة ترنو للاستعراض قدر الإمكان وللقول بأنها مازالت موجودة،وهي تسعى للضرب متى أمكن لها ذلك. نحن لسنا أمام جهاز مخابرات له القدرة الفائقة على اختيار الزمان والمكان ولهذا لا ينبغي الإكثار من تأويل التوقيت والمكان والتخطيط إذ قد يكون ذلك هو المتاح فقط لمجموعة ما في فضاء ما في زمن ما ..
الأساسي في كل هذا أن الخطر الإرهابي ، والذي لا ينبغي البتة التقليل من أهميته، لم يعد قادرا على زلزلة الدولة وفقد الكثير من حاضنته الشعبية المحدودة حتى في زمن عنفوانه، كما فقدت المجموعات المتبقية القدرة على القيام بعمليات نوعية مربكة كتلك التي شهدناها بداية من 2013 إلى حدود مارس 2016، ولو كان عكس ذلك ممكنا لجماعات الدم هذه لما توانت لحظة واحدة على إلحاق اكبر أذى ممكن بالبلاد.
الحرب على الإرهاب فرضت على تونس ونحن بصدد ربحها دونما شك والسؤال هو في كلفتها البشرية والمادية، ولن نقلص إلى الأقصى من هذه الكلفة إلا متى كنّا متحدين في هذه الحرب ومصممين دولة وقوات مسلحة ومواطنين على ربحها وعلى مطاردة كل إرهابي بلا هوادة..
رحم الله شهداءنا ولكن لا يخامرنا الشك ولو للحظة واحدة بأننا سنربح هذه الحرب نهائيا وفي أسرع وقت ممكن
صحة الرئيس وتساؤلات حول انتقال السلطة
تزامنت العمليتان الإرهابيتان مع البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية الذي يتحدث عن وعكة صحية حادة أصابت رئيس الدولة فحامت تساؤلات كثيرة حول وضع البلاد لو زادت صحة الباجي قائد السبسي تعكرا ..
في البدء نتمنى لشخص رئيس الدولة موفور الصحة وان يتعافى من هذه الوعكة ويعود إلى سالف حيويته ونشاطه ليقوم بالمهام الدستورية المناطة بعهدته .وتفيد المعلومات الأولية والتي أكدها مكتب مجلس نواب الشعب بأن صحة الرئيس مستقرة وانه لا وجود لحالة شغور وقتي للسلطة..
ولكن لا مناص من الاعتراف بان صحة رئيس الدولة بصفة عامة تطرح جملة من الأسئلة ،ولا نجد لها كلها جوابا اليوم .
لقد افترض الدستور كل إمكانيات تسليم السلطة الوقتي والنهائي في حالة الشغور الوقتي او النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، ولكن في جل هذه الحالات تلعب المحكمة الدستورية الدور الأساسي في معاينة الشغور وتبليغه لمجلس نواب الشعب .
ففي صورة الشغور الوقتي ومع استحالة تفويض سلطته لرئيس الحكومة وفق الفصل 84 فإن المحكمة الدستورية هي التي تقر الشغور الوقتي وعندها يحل رئيس الحكومة محل رئيس الدولة لفترة لا يمكن أن تتجاوز ستين يوما .
أما لو تجاوزنا هذه المدة أو لو قدم رئيس الدولة استقالته أو كان في حالة وفاة او عجز دائم أو أي سبب آخر يوجب الشغور النهائي ، حينها تجتمع المحكمة الدستورية فورا وتقرر هذا الشغور النهائي وتبلغ ذلك إلى رئيس مجلس النواب الذي يصبح هو رئيس الدولة ما بين 45 و90 يوما..
نرى في كل هذه الوضعيات محورية المحكمة الدستورية وكيف انها هي التي تضمن الانتقال السلس للسلطة في كل الفرضيات وأنها لم تترك فرضية إلا وأوجدت لها الحلول ولكن ما العمل في ظل غياب هذه المؤسسة المحورية ؟
في الحقيقة سنجد أنفسنا مضطرين لنوع من التلفيق كاجتماع مكتب مجلس نواب الشعب يوم أمس وإقراره بعدم وجود شغور وقتي والحال أن الدستور لم يمنح له البتة هذه القدرة التقييمية .
قد يكون المخرج الوحيد هو التفويض الوقتي لسلطات رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة لفترة ثلاثين يوما قابلة للتجديد مرة واحدة وفق منطوق الفصل 83 ولكن على شرط ان يقوم رئيس الدولة بنفسه بهذا التفويض، ولكن حتى في هذه الحالة لا يمكن المرور الى المرحلة اللاحقة، أي الشغور النهائي، دون محكمة دستورية ..
ولكن لأستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني قراءة أخرى جديرة بالتدبر وقد وضحها يوم أمس على قناة الحوار التونسي مع الزميلة مريم بالقاضي ويقول الأستاذ اللغماني بالرجوع إلى المطة الرابعة من النقطة الثانية من الأحكام الانتقالية ومفادها أن كل الأحكام الواردة بالمحكمة الدستورية لم تدخل بعد حيّز التطبيق وبالتالي بالإمكان معالجة حالات الشغور المختلفة بالاعتماد على السلطة البرلمانية وفق التقارير الطبية.
هذا هو وضعنا الدستوري والمؤسساتي اليوم، وهو وضع لم يفترض مرحلة حوكمة شغور رئاسة الجمهورية الوقتي أو النهائي في غياب المحكمة الدستورية ..
لا ينبغي أن نجزع أكثر من اللزوم فالبلاد على بعد أمتار قليلة من الانتخابات ولمؤسساتنا الحالية القدرة على إيصال البلاد لهذه المواعيد ولو كان ذلك ببعض الاجتهاد في الحالات القصوى ، ولكن احد الدروس الأساسية للمجلس النيابي القادم هو ضرورة استكمال المؤسسات الدستورية حتى لا نبقي انتقالنا الديمقراطي في مهب الرياح ..
نكرر تمنياتنا لسيادة رئيس الدولة بالشفاء العاجل وبعودته لنشاطه وندعو كل التونسيين إلى الابتعاد عن الهلع والجزع ..