الصراع البورقيبي اليوسفي : انتخابات على وقع «بيرسيبوليس 2»

لم يكن قرار الدائرة الجنائية المختصّة في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس القاضي بتأجيل النظر في قضية اغتيال صالح بن يوسف إلى

موعد لاحق إلا الشرارة التي احيت الصراع البورقيبي/اليوسفي، تحت مسميات عدة قبل 5 اشهر من الانتخابات التشريعية القادمة، التي يبدو انها ستقام في ظل حرب هوية جديدة عنوانها «البورقيبية».

خلال اليومين الفارطين تتالت مواقف وبيانات الاحزاب والحركات السياسية التونسية ليدين جزء منها التمشي الانتقامي للعدالة الانتقالية والسبب كان جليا وهو قضية اغتيال صالح بن يوسف المعروضة على الدائرة المختصة في العدالة الانتقالية بمحكمة تونس العاصمة، والتي تضمنت قائمة المتهمين فيها اسم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

ملف لم يعد قانونيا/قضائيا/تاريخيا بل بات سياسيا بامتياز، فالقضية وكيفية تكيفها القانوني جعلت منها محاكمة لنظام سياسي وللدولة برمتهما وليس فقط لفعل القتل المحدد في الزمان والمكان -وهو مدان اخلاقيا وقانونيا – فالقضية بحثت عن فتح ملفات سياسية ومحاكمة رموز دولة الاستقلال من مقاربة ايديولوجية (انظر مقال المنجي الغريبي). مقاربة امتزج فيها العقائدي بالسياسي في ظل قناعة كل طرف انه يمتلك الحقيقة المطلقة ويحتكر الخير والوطنية.

وطنية باتت هي العنصر الابرز في السجال بين الفرقاء في الصراع البورقيبي اليوسفي الجديد، اذ احيى الفاعلون السياسيون التونسيون خلال الايام الفارطة هذا الصراع بهدف التوظيف السياسي الانتخابي، اما تحت راية الانتصار لصالح بن يوسف ضد عملاء الاستعمار او الانتصار للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ضد الرجعية والإسلاميين.

بين هذين الشقين المتمثلين اساسا في الاحزاب القومية والإسلامية ومن جانب اخر الاحزاب الدستورية –النداء/الدستوري الحر/ تحيا تونس والمشروع...- تقف حساسيات سياسية اخرى في موقع المتفرج او الماسك بالعصا من منتصفها، على غرار الجبهة الشعبية التي قال القيادي بها عمار عمروسية ان الجبهة ضد التمشي الانتقامي للعدالة الانتقالية ولكنها مع فتح كامل ملفات الماضي ومعالجتها، في انتظار ان تحدد موقفها النهائي.

فالجبهة وهي عينة عن جل احزاب المعارضة اليسارية والوسطية اختارت ان تلتزم الصمت وعدم التورط في هذا الصراع الذي أذكيت ناره من جديد، وبات مناسبة لبعض الفاعلين السياسيين ، لإحياء صراع الهوية، وهذه المرة ليس القصد الاسلام وانما البورقيبية.

اذ سارعت رئيسة حزب الحر الدستوري عبير موسي الى البروز كمدافعة اولى عن البورقيبية وحاملة مشعلها ضد اعداء تونس، وهنا حصرت موسي الامر في الاسلام السياسي، لتجعل من القضية ورقة انتخابية جديدة بيدها تستهدف من خلالها حركة النهضة بل وبقية الاحزاب ذات المرجعية الدستورية او من تحسب نفسها على الحركة الدستورية.

وموسي وهي توجه اتهاماتها للنهضة بانها تريد استهداف ارث الرئيس الراحل بورقيبة لم يغب عنها جر منظومة الثورة وحشرها في زاوية الخيانة والعمالة وهدم ارث دولة الاستقلال، والهدف الاساسي لها هو حشد الغاضبين او المحبطين من الثورة خلفها.

حشد يبدو انه لن يقف عند هذه الايام فالقضية اجلت الى مواعيد لاحقة، ستكون مناسبة لاذكاء نار الصراع مجددا، وهذا ما ادركته الاحزاب السياسية التي تصف نفسها بالوسطية/الدستورية، على غرار حركة مشروع تونس والبديل التونسي والمبادرة وتحيا تونس.

فهذه الاحزاب الاربعة وخلال الايام الثلاثة الفارطة بحثت عن ابراز موقفها من الصراع ومن توجيه التهم الى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة من مقاربة مختلفة نسبيا عن مقاربة عبير موسي، فالاحزاب المذكور بحثت عن الموازنة بين الدفاع عن البورقيبية ومسار الثورة ومقاصدها في وجه الانحرافات التي عانت منها العدالة الانتقالية تحت اشراف سهام بن سدرين.

هنا يتضح جليا ان الاحزاب الاربعة تدرك انها غير قادرة على منافسة الحر الدستوري في تبني خطاب موجه يعادي الثورة وكل ما أفرزته، لكنها تبحث عن الحد من قدرة الاخيرة على استغلال ورقة البورقيبية في الانتخابات القادمة. انتخابات يبدو انها ستجرى في ظل معركة جديدة عنوانها الدفاع عن البورقيبية ودولة الاستقلال.

معركة تعيد للاذهان حرب الهوية التي اثيرت في انتخابات 2011 اثر بث فيلم «بيرسيبوليس» وكيف وظفت النهضة هذا لتحشد الشارع والناخبين خلفها، باسم الدفاع عن المقدسات.

مقدسات باتت اليوم تشمل «البورقيبية» التي يبدو ان حركة النهضة ستصبح من معتنقيها، فقادة الحركة وان لم يصدر عنهم موقف واضح من الصراع في انتظار عودة رئيس الحركة من زيارته الى فرنسا، الا انهم يدركون ان تبنى موقف داعم لمحاكمة بورقيبة سيفتح عليهم ابواب الجحيم السبعة، وهم في غنى عنها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115