مشهد مريع للضحايا، امتزجت فيه صور الدماء وصياح المجروحين والعائلات لوعة على فقدان أحد أفرادها واكثر من فرد امتطوا شاحنة «الموت» من أجل لقمة العيش تناثرت أجسادهم واختلطت مع الحطام الجثث، هي صور تناقلتها منذ الصباح الباكر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والإخبارية... أشعلت فتيل الاحتجاجات في السبالة وأمام المستشفي الجهوى بسيدي بوزيد في الوقت الذي تجري فيه حكومة يوسف الشاهد التى أمضت منذ أكتوبر 2016 بروتوكول اتفاق بخصوص المرأة الريفية، حوارا وطنيا حول قطاع النقل...
شاحنات «الموت» مثلها مثل قوارب «الموت» بين الحين والأخر تزهق حياة العشرات من الذين يلهثون وراء العيش الكريم وتوفير لقمة لابنائهم حتى وان كان الثمن الحياة ، كغيره من الايام مع الساعات الاولى ليوم امس ركب حسان وعماد ومريم وعزيرة ونبيهة وعباس وزمردة...– من نفس العائلة ومن الضحايا- وصالحة التي تبلغ من العمر 60 سنة وهدى اللتان كتب لهما العيش مع عدد اخر من جاراتهم ركبوا شاحنة من اجل نقلهم الى مكان عملهم، لكن قبل وصولهم كانت الكارثة اثر اصطدام مع شاحنة اخرى .
من 12 الى 60 سنة
اطفال وشباب ونساء ورجال من بين الضحايا والمصابين اصغرهم فتاة تبلغ من العمر 12 سنة واكبرهم امراة تبلغ من العمر 60 سنة ، العدد المعلن عنه من قبل السلطات الرسمية وفق الحصيلة الاولية 15 شخصا على عين المكان، 7 نساء و5 رجال من بينهم سائق الشاحنة ، وإصابة حوالي 21 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة . وقد تم إجراء عمليات جراحية على عدد من المصابين كللت بالنجاح ويخضع البقية للمراقبة الطبية الضرورية وحالتهم الصحية مستقرة...هول الكارثة وحجمها الذي لن يشعر به الا العائلات التى فقدت احداها امس 3 اشخاص دفعة واحدة والطفل الذي فقد امه وغيره لكنه لن يكون رادعا للكثيرات من العاملات في القطاع للأسف، لان مثل هذه الحوادث تتكرر بين الحين والاخر فلم يمض شهر على
حادث بمعتمدية الفحص والذي ذهب ضحيته عاملتان وإصابة اكثر من عشرة ، وغيره منذ يومين في القيروان ، هذا القطاع الذي يرتكز اساسا على اليد العاملة النسوية لم يوفر لهن ابسط الاجراءات لسلامتهن سوى بيانات وبلاغات رسمية وتصريحات من مختلف الاطراف ومكونات المجتمع المدني ظلت حبرا على ورق.
ففي اكتوبر 2016 تم امضاء بروتوكول اتفاق بين وزارة المرأة والأسرة والاتحاد العام التونسي للشغل اتحاد الفلاحة واتحاد الصناعة ويهدف هذا الاتفاق الى وضع كراس شروط ينظم نقل العمال والعاملات في القطاع الفلاحي ، كما تم اصدار منشور في ديسمبر 2018 وجه إلى الولاة باعتبار وجود فراغ قانوني في نقل العاملات في القطاع الفلاحي وتم تضمينه بعض المقترحات بشكل مؤقت مجملها تهدف الى الترخيص سواء للنقل الريفي او للشخص يوفر وسيلة نقل مهيأة من اجل نقل العاملات ولكن لم يتم تفعليها.
وتجدر الإشارة ان هذه الصيغ هي نقاط جاءت في بلاغ جاء فيه ان يوسف الشاهد رئيس الحكومة اعطى تعليماته لوزير النقل من أجل اعتماد هذه الاجراءات ، وتضمن البلاغ ايضا انه يمنع منعا باتا نقل العاملات والعملة الفلاحين على وسائل نقل غير مهيأة للغرض وغير مؤمنة، لكن الحوادث المتكررة تؤكد ان الوضع باق على ما هو عليه والنتيجة مزيد من الضحايا.
في السياق ذاته وفي تصريح سابق لـ «المغرب» في مقال للزميلة شيراز الرحالي في 13 افريل الجاري اكدت «ايناس نقارة عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين انه لم يتم الى الان اتخاذ اي اجراء لفائدة المراة الفلاحة منتقدة الحديث عن الوضعيات الهشة للعاملات بشكل ظرفي فقط، مشيرة الى ان الاتحاد اقترح توفير شاحنات ثقيلة لنقل العاملات محمية صيفا وشتاءا الا ان المقترح تم رفضه .. وافادت ان مشروع «احميني» لتيسير انخراط النساء العاملات في الوسط الريفي في منظومة الضمان الاجتماعي لا يعني اتحاد الفلاحة. ومشروع احميني يهدف الى تمتيع أكثر من 500 ألف امرأة عاملة في الوسط الريفي من الاستفادة من مشروع «احميني» إلى غاية سنة 2020 ويستهدف في مرحلة أولى العاملات في الوسط الفلاحي في ولايات الشمال الغربي والقيروان ليعمم في ما بعد على مختلف ولايات الجمهورية.
اما وزارة المراة فقد شددت على اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من سيثبت تسببه في هذا الحادث وتعمده خرق قوانين النقل الآمن، فقد اعتبرت الوزيرة نزيهة العبيدي ان المسؤولية مشتركة يتحملها ايضا السائق الذي لم يحترم القانون وذلك خلال اشرافها على الحوار الجهوى للنقل بالكاف وان الحكومة تحملت مسؤوليتها وقامت بوضع خطة وطنية، إلا أن هناك من لا يحترم القانون.
عدد الضحايا في ارقام منذ 2015
نتيجة عدم احترام القانون وعدم السهر على تطبيق القانون واحترامه وتفعيل مختلف الاجراءات يؤكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيانه ان شاحنات «الابادة» كما وصفها « أودت بحياة أكثر من 40 عاملة و 492 جريحة )خلال الأربع سنوات الأخيرة) نتيجة ظروف النقل اللا إنسانية على مرأى و بعلم كافة السلط و على رأسها رئاسة الحكومة، محملا المسؤولية المباشرة للسلط المركزية ممثلة في رئيس الحكومة ووزراء الداخلية ووزير الفلاحة ووزير النقل ويطالب بتتبّعهم جرّاء تعريضهم حياة العاملات الفلاحيات للخطر اليومي.
وعبر عن دعمه كل التعبيرات المدنية عن الغضب إزاء الفاجعة ويستنكر استهتار الهياكل المهنية للقطاع الفلاحي والجهات الحكومية لظروف نقل النساء العاملات في قطاع الفلاحة، ووفق بعض المعطيات التي رصدها المنتدى حسب الامكانيات المتاحة والتي مكن «المغرب» سنة 2015: بلغ عدد الجريحات 85 و8 حالات وفاة، سنة 2016: بلغ عدد الجريحات 151 و6 ضحايا ، سنة 2017 : بلغ عدد الجريحات 85 وعدد الضحايا 2، سنة 2018: بلغ عدد الجريحات 119 وعدد الضحايا 4، سنة 2019 بلغ عدد الجريحات 42 وعدد الضحايا 14.
احتقان
كارثة الامس اججت نار الاحتجاجات في سيدي بوزيد ، فقد احتج اهالي الضحايا بالمستشفي الجهوى امس عند حضور احد المسؤولين الحكوميين الذي كان هناك بالصدفة من اجل الاشراف على اجتماع كما قام عدد اخر بقطع الطريق على مستوى منطقة السبالة ودعا الاهالي وعدد من مكونات المجتمع المدنى للتحرك وإلى إعلان حداد وطني.
وزير الفلاحة
لا بدّ من إجراءات صارمة للحد من هذه الحوادث
قال وزير الفلاحة والموارد المائية سمير الطيب بخصوص فاجعة حادث شاحنة نقل العاملات الفلاحيات بالسبالة من ولاية سيدي بوزيد والتي ذهب ضحيتها 15 شخصا (منهم 7 عاملات فلاحيات) أمس السبت، أنّه لا بد من اجراءات صارمة لوضع حد لمثل هذه الظروف غير الانسانية في نقل هذه الفئة من النساء، التي تمثل 50 بالمائة من اليد العاملة الفلاحية. وتابع «ان المسؤولية مشتركة في مثل هذه الحوادث».
وأوضح الطيب، في تصريح إعلامي على هامش زيارة أداها الى ولاية مدنين، أن تفاقم هذه الظاهرة وتواصل مثل هذه الحوادث المؤلمة تجعل من إبرام اتفاقية بين وزارة الفلاحة ووزارة المرأة والرقابة غير كافيين لوضع حد للمسألة والقضاء على شبكات اصحاب الشاحنات، التي تنقل العاملات الفلاحيات دون توفر أدنى شروط السلامة وحفظ كرامة الانسان وهو ما يتطلب وقفة جماعية لوضع حد لاستغلال هذه الفئة من العاملات والمتاجرة بأرواحهن.
وقال أن وزارته ستتابع المسالة بعد قرار وزير الداخلية بفتح تحقيق في الحادثة مشيرا الى ضرورة العمل على توفير وسائل نقل ملائمة لنقل هذه اليد العاملة الفلاحية ومنح تراخيص لتوفير وسائل النقل المناسبة.
وزيرة المرأة:
الحكومة لا تتحمل مسؤولية حادث مرور منطقة «الشارع» فصاحب الشاحنة يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى
قالت وزير المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، نزيهة العبيدي ان الحكومة لا تتحمل مسؤولية حادث المرور الذي جد بمنطقة «الشارع» من معتمدية السبالة التابعة لولاية سيدي بوزيد وراح ضحيته 15 شخصا (7 عاملات فلاحيات) على عين المكان واصيب حوالي 21 اخرين بجروح متفاوقة الخطورة، محملة صاحب الشاحنة المسؤولية بالدرجة الاولى.
وأكدت العبيدي ان الاطراف الحكومية قد قامت بواجبها تجاه المرأة الريفية عبر وضع الخطط وتنفيذها، معتبرة ان النساء كان ضحية عدم مسؤولية سائق الشاحنة وتعمده خرق قوانين النقل الآمن وجعلهن عرضة للخطر عبر الطرق الهشة للنقل.
وذكرت الوزيرة ان الحكومة قد قامت سنة 2017 بإحداث خطة وطنية لفائدة المرأة الريفية بالتعاون مع كافة الوزارات المعنية، وتم رصد 54 مليار في الغرض، شملت تنظيم النقل بالوسط الريفي وضمان التغطية الاجتماعية لأكثر من 500 الف امرأة، والاهتمام بالانقطاع المدرسي، وقد تم تقسيم الادوار بين الهياكل المعنية.
وأضافت العبيدي في هذا الشأن، ان الحكومة قد دعت منذ سبتمبر 2018 الولاة الى اسناد رخص لأصحاب النقل الريفي قصد تمكينهم من نقل العاملات في القطاع الفلاحي، الا ان هذا المنشور لم يقع تطبيقه الى حد الآن، حسب قولها.
حالة من الاحتقان والتوتر بالمستشفى الجهوي بعد حادث السبالة
شهد محيط المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد حالة من الاحتقان والتوتر، حيث عبر ممثلو المجتمع المدني وعدد من المواطنين عن استيائهم من تجاهل السلط لمشكل نقل النساء العاملات بالقطاع الفلاحي، وذلك على خلفية حادث التصادم الذي جدّ صباحا بمنطقة الشارع التابعة لمعتمدية السبالة، بين شاحنة خفيفة تنقل عمالا وعاملات فلاحيين وشاحنة خفيفة تنقل دجاجا، وادى الحادث الى وفاة 15 شخصا وجرح 20 اخرين.
واشاروا الى «عدم برمجة تهيئة مسالك ريفية تربط الضيعات بالطرق الرئيسية وعدم تنظيم عملية نقل النساء العاملات بالقطاع الفلاحي من خلال اسناد رخص قانونية تحدد عددهم بكل وسيلة نقل»، كما اعربوا والاطار الصحي بالمستشفى عن «استيائهم من نقص التجهيزات والاعوان بمختلف المؤسسات الصحية بالولاية والتي لا يمكنها في مطلق الاحوال احتواء مثل هذه الازمات».
ووصف والي سيدي بوزيد محمد صدقي بوعون من جهته الحادث بـ«الأليم»، وبين انه «تم تسخير كل الادارات الجهوية المعنية للتدخل وتقديم الإسعافات للجرحى واجلاء الموتى، والاستنجاد باطباء الاختصاص من القطاع الخاص بالجهة لدعم عمل المستشفى الجهوي»، واضاف انه «تمت تهيئة المستشفيات الجامعية المجاورة لاستقبال بعض الحالات الحرجة بالتنسيق مع وزيرة الصحة، حيث تم توجيه 3 حالات إلى صفاقس و3 إلى سوسة».
واشار الى ان «نقل العاملات في قطاع الفلاحة يتم في ظروف غير قانونية من طرف عدد من الأشخاص الذين يسعون لتحقيق الربح على حساب حياة الناس»، كما أكد أنه «سيتم التدخل مع الوحدات الأمنية والضرب بقوة على يد المخالفين لأن ارواح الناس لا تقاس بثمن».
يشار الى ان الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج رضوان عيارة، الذي كان من المبرمج ان يشرف على الحوار الجهوي للنقل بمقر ولاية سيدي بوزيد، تفقد المصابين بمختلف الاقسام واستمع الى احتجاجات الحضور.
واكد عيارة ان «الوضعية صعبة بالمستشفى والمصاب جلل والجميع متضامنون مع عائلات الضحايا والجرحى والحال يتطلب تدخلات وقرارات عاجلة»، وبين انه «من المنتظر وصول كل من وزير النقل ووزيرة الصحة الى الولاية للاطلاع على الوضع على عين المكان واتخاذ القرارات اللازمة التي تشمل مختلف القطاعات من فلاحة ونقل وصحة وتنمية».
وزارة الصحة تسخر سيارات اسعاف لنقل جرحى حادثة منطقة «الشارع» التابعة لولاية سيدي بوزيد
تولت مصالح وزارة الصحة تسخير سيارات اسعاف من المستشفيات المجاورة لمنطقة «الشارع» التابعة لمعتمدية السبالة من ولاية سيدي بوزيد لنقل جرحى الحادث الذي جد فجر أمس بالمنطقة والذي راح ضحيته 15 شخصا على عين المكان وأصيب حوالي 21 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وأفادت وزارة الصحة أنه تم التنسيق مع مصالح الحماية المدنية والتكفل بالجرحى في مرحلة أولى بقسم الاستعجالي وتجنيد المستشفيات المجاورة لعلاج المصابين والإحاطة بهم اضافة لتفعيل خلية الإحاطة النفسية وتجنيد أطباء نفسانيين وأخصائيين في علم النفس للتكفل بالمتضررين وعائلاتهم.
وتم نقل 15جريحا الى المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد و3 جرحى إلى المستشفى الجامعي بصفاقس و3 آخرين إلى المستشفى الجامعي سهلول بسوسة لاستكمال الفحوصات اللازمة والتكفل بعلاجهم.
وقد وقع إجراء عمليات جراحية على عدد من المصابين كللت بالنجاح، ويخضع البقية للمراقبة الطبية الضرورية، علما وأن حالتهم الصحية مستقرة.
وأكدت وزارة الصحة في هذا الصدد، حرص الفرق الطبية بمختلف الهياكل الاستشفائية المعنية على مواصلة الإحاطة الصحية والنفسية بالمصابين إلى حين تماثلهم للشفاء التام.
القصرين
انقلاب شاحنة تقل 15 امرأة
شهدت منطقة عين عمارة بطريق بودرياس فوسانة التابعة لولاية القصرين بعد ظهر أمس حادثا جديدا لما بات يسمى بشاحنات الموت تمثل في انقلاب شاحنة كانت على متنها 15 امرأة كن عائدات من عملهن في احد الحقول لجمع الإكليل. وتسبب الحادث في إصابة البعض منهن بكسور وتم نقل المصابات إلى المستشفى الجهوي بالقصرين لتلقي الإسعافات الضرورية .