دخلة الباك سبور 2019 : جيل الثورة يحاكم الجميع...

يلتقي السياسيون التونسيون وعبد الرحمان بن خلدون وألبار اينشتاين بشخصيات أفلام عالم «DC» ومارفل «Marvel» وأبطال سلاسل الكرتون

اليابانية «Manga» فقط في اللافتات التي تزينت بها جدران المعاهد الثانوية التونسية خلال فترة امتحان الرياضة الخاص بالمترشحين لاجتياز البكالوريا او ما يعرف بـ«الباك سبور» ودخلته التي باتت سنة سنوية يتوجه من خلالها تلاميذ الثانوي برسائل للجميع، لا تفكّ رموزها الا بفهم العالم الذي استعيرت منه.

هذه السنة كما السنوات الثماني السابقة، حمّلت اللافتات المستعان بها لتأثيث دخلة الباك سبور، الكثير من الصور المستعارة سواء من الواقع اليومي للتونسيين او من عالم السينما وما يتفرع عنه من سلاسل تلفزيونية ورسوم كرتون. تضمنت حاشياتها او متنها اما مقولة لكاتب او حكمة او الاكتفاء بالاستعانة بما قالته الشخصية المشار إليها في الصورة، خاصة ان كانت من عالم السينما.

صورة ونصوص مقتضبة عبرت بشكل صريح عن جملة من الرسائل السياسية والفلسفية لجيل انطلق في اكتساب وعيه اثر 2011، ومن لا يدرك فان هذه السنة ليست مجرد حقبة تاريخية بل هي سنة غيرت كل شيء في البلاد، وخاصة لدى ما يعرف بجيل الثورة الذي كشف عن نفسه في السنوات الثماني الفارطة بتعبيرات خاصة به سواء في الشوارع لدى الاحتجاج او في الكليات والمعاهد الثانوية، خاصة في فترة الباك سبور.

هذه الفترة التي تمتد من مارس الى نهاية افريل من كل سنة، باتت محطة يكشف فيها تلاميذ السنة النهائية عن رؤيتهم لواقعهم ومعاشهم سواء في بعده السياسي او الاجتماعي او الهوياتي، وهذه العملية تعتمد أساسا على الصورة ورمزيتها في استعارة من عالم السينما المتميز بالتعقيد البصري، بهدف جعل المتلقي يجد صعوبة في التفريق بين الصورة المنتجة والواقع، بما يسمح بالانسياق وراء ما تمليه الصورة وتجاوز المعنى الظاهر إلى المعنى الاسقاطي المبطن.

لهذا قد يكون ضروريا ان تقع الاستعانة لقراءة لافتات دخلة الباك سبور باليات قراءة الصورة السينمائية للتوقف عند العلامات التي تجمع في ثناياها بين ما هو أيقوني وبين ما هو تشكيلي بهدف تمييز الأشياء التي تنتمي إلى هذا الواقع، وكيف تم تمثيلها في اللافتات التي توزعت مضامينها على السياسي والاقتصادي والاجتماعي والهوياتي.

ففي الجانب السياسي الذي اتسم بالمباشراتية التقى رئيس الحكومة يوسف الشاهد برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وبرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في منتصف لافتة حرصت على ابراز ان الرباعي مشغول بالانتخابات نهاية السنة ومتغافل عن الأزمات المتعددة التي تعانيها البلاد، وهنا وقع الاستنجاد بوقائع عاشتها تونس على غرار وفاة الرضع والاحتجاجات الاجتماعية وغيرها.

الحضور السلبي للسياسيين وخاصة الثلاثي الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد وراشد الغنوشي، في جزء من اللافتات التي استعين بها لتأثيث دخلة الباك السبور لا يبدو انه صعب الفهم والتأويل، ومثله حضور ثنائية الحياة والموت التي تتجسد في اكثر من لافتة عبر سفينة مبحرة إلى ضفاف اوروبا، في عملية هجرة غير نظامية. هذه السلبية اريد من خلالها الكشف عن هواجس ومخاوف هذا الجيل التلمذي الذي وجد سبيلا للتعبير عن مخاوفه وابدع في ذلك بل وحمل أطرافا بعينها مسوؤلية ما يحدث.

كما ان الاعتماد على المباشراتية في رسائل السياسة لم يغفل عنه التطرق لازمة التعليم الثانوي والصراع بين النقابة وزارة التربية وتموقع التلاميذ كرهائن في هذا الصراع الذي أدانوه كما ادنوا النظام التعليمي برمته. هذا جزء من اللافتات قد يكون الأكثر لفتا للأنظار لطابعه السياسي، وإبرازه ان لهذه الشريحة العمرية موقفها السياسي وقراءتها الخاصة بها وانخراطها الطوعي في الشأن العام والبحث عن التأثير فيه عوضا عن الاقتصار على لعب دور «المفعول به».

لكن اللافتات لم تقتصر على المباشراتية بل استعين في القسم الأكبر منها، وفق ما يقع نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، بالترميز والاستدلال. وهنا استعان التلاميذ بادوات ومفاهيم من خارج المدرسة، في جانبها الرسمي الذي يمثل لهم سلطة الجيل الأكبر التي يبحثون على التمرد عليها وتحديد هويتهم الخاصة بهم.

محاولة التمرد على التقليدي والرسمي تكشف عن نفسها بقوة في اللافتات التي استعانت بشخصيات من عالم السينما و«MANGA»، وهي هنا عديدة حاملة لرسائل تمرد، اما عبر الاقتداء بشخصيات شريرة متمردة في أفلام هوليود او عبر القراصنة في شخصيات الكرتون اليابانية...الخ.

شخصيات تتقاطع في بحثها عن الحرية او سعيها اليها حتى باستخدام أدوات وأساليب يرفضها المجتمع أو الدولة أو أي شخص يمثل بالنسبة لهذا الجيل «السلطة».سلطة ينظر إليها في هذه اللافتات على أنها مخادعة متآمرة على الأفراد لإخضاعهم وتدجينهم وليس لخدمتهم أو تحقيق الأفضل لهم، لهذا فإنهم يعارضونها وبعنف.

عنف يقابلون به رفض المجتمع او السلطة لهم ومحاولة قولبتهم في صورة نمطية تتسم بالبلادة، لتبرير محاكمتهم على سلوكيات او أفكار او عادات لم تستسغها الثقافة الرسمية بعد باعتبارها غريبة عنها او هجينة. دون ادراك ان هذا الجيل مختلف عن أوليائه او أساتذته، وان تجربتهم الخاصة في السنوات الثماني الاخيرة، وهي عمر الثورة سمحت لهم بمراكمات نحتت شخصياتهم.

هذه الشخصيات عبرت عن نفسها بادواتها الخاصة لتبين ما تزخر به من معنى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115