كبرى عادة ما يقع التركيز على اثنين منها، وإهمال الثالث الذي يتنافس عليه كل من الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وبدرجة اقل حراك تونس الإرادة، خزان يضم الغاضبين من المنظومة الحالية بمشارب مختلفة تغلب عليها «الثورية».
منذ يومين أعلن التيار الديمقراطي عن ترشيحه لأمينه العام الجديد محمد عبو للانتخابات الرئاسية، وبهذا يلتحق عبو برفيقيه السابقين، حمة الهمامي المتحدث باسم الجبهة الشعبية ومحمد المنصف المرزوقي الرئيس السابق، اللذين أعلنت هياكلهما أنهما سيرشحان ليخوضا انتخابات نوفمبر 2019.
منافسة في الرئاسية والتشريعية يعلن كل طرف ان المراد من خوضها هو مواجهة «المنظومة» الحاكمة الحالية، والتي تتجسد لديهم في ثنائية حركة النهضة والنداء، والأخير يتجزأ ليصبح حركة نداء تونس بشقيها وكل الأحزاب التي انشقت عنها وأخيرا الحزب الحر الدستوري. لكن ما لا يقال بشكل صريح ان التنافس وخاصة في الرئاسية سيكون في الدور الأول على الأقل بين هذا الثلاثي بعينه وليس بينهم وبين مرشحي المنظومة، وفق التوصيف الذي يعتمدونه.
منافسة بين الثلاثي سيكون هدفها الأبرز الفوز بأصوات التونسيين الغاضبين من منظومة الحكم الحالية- سواء من حسم أمره وقرر المشاركة في التصويت او من لايزال مترددا- بهدف ضمان نتائج جيدة سواء في الانتخابات التشريعية او الرئاسية، فهذا الثلاثي ومن خلف الجهات التي يمثلونها يتقدمون لانتخابات 2019 كحزمة مترابطة لا منفصلة.
اذ ان تقديم الجبهة والتيار بشكل أساسي لمرشحين في الانتخابات الرئاسية من أهدافه توظيف ما يعتبرونه شعبية او ثقة جزء من التونسيين في مرشحهم لتعزيز حظوظ الفوز بمقاعد في التشريعية، بهدف تجاوز النسب التي تمنحها لهم عمليات سبر الآراء، والتي يكشف آخرها على أن الجبهة تحل خامسة بنسبة 6.7 % وسادسا التيار بـ5.6 %. وهي نسب تبين أن الطرفين فقدا الزخم الذي حققاه منذ الانتخابات البلدية في ماي2018.
لكن ليس الهدف الوحيد من ترشح الثلاثي الهمامي، عبو والمرزوقي تعزيز حظوظ القائمات المرشحة عن هياكلهم السياسية وإقناع جزء من القاعدة الانتخابية المترددة بالتصويت لفائدتها، بعد ان كشفت نتائج سبر الاراء المتعلقة بنوايا التصويت سواء في التشريعية او الرئاسية، ان منظومة حكم 2014، المتمثلة في تحالف نداء تونس وحركة النهضة بعد توافق «الشيخين» لاتزال تحظى بثقة ثلثي الناخبين المشاركين في سبر الاراء، مع التعديلات التي شهدتها في توزيع الخزان الانتخابي لحركة نداء تونس، الذي تقاسم قاعدته مع كل من تحيا تونس والحر الدستوري.
فالثلاثي الذي يترشح كل فرد فيه بصفته مناهضا لمنظومة 2014 وممثلا للثورة، يطمح كل منهم في تحقيق «الاختراق» الذي يتمثل لديهم في بلوغ الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ضد مرشح «المنظومة» والقصد هنا يوسف الشاهد ان قدم الاخير ترشحه.
اختراق لا يتحقق لاي منهم فقط بمجرد الرغبة فيه او الحديث عنه، فالثلاثي سيكون في تنافس محتدم فيما بينه، فهم يتصارعون للفوز بثقة ذات القاعدة الانتخابية التي تتجسد لهم بالاساس في اكثر من مليون صوت منح في الدور الثاني من رئاسية 2014 للمنصف المرزوقي، وبدرجة اقل في الناخبين الجدد، الذين اكتسبوا حق التصويت اثر الانتخابات الفارطة.
هذه القاعدة يراهن كل طرف من الثلاثي على انه قادر على استمالتها، فالمرزوقي الذي تمنحه احدث عمليات سبر الآراء حوالي 10 % من نوايا التصويت المشاركين في الانتخابات الرئاسية، يبحث عن استمالة جزء من خزان حركة النهضة الانتخابي في الدور الاول بهدف تكرار نتائج 2014 والمراهنة على التحاق خزان الغاضبين به باعتباره المنافس الوحيد المتبقي في وجه منظومة 2014.
لكن هذا قد لا يكتب له خاصة وان عبو الذي لا يرد اسمه في عمليات سبر الاراء حتى الان، مرشح لافتكاك جزء من خزان المرزوقي الانتخابي واستمالة المترددين او الناخبين الجدد، وهذا قد يجعله منافسا شرسا للمرزوقي وقادرا على تقويض طموحه ببلوغ الدور الثاني حتى وان كانت فئة الناخبين المستهدفة في الدور الاول تختلف.
اختلاف في فئات الناخبين المستهدفة في الدور الاول قائم بين الثلاثي، فلكل منهم قاعدة انتخابية شبه ثابتة سواء في اليمين او الوسط الاجتماعي او اليسار، وفق المشارب الفكرية التي يقوم عليها الحزب/الجبهة. لكن هذا الاختلاف لا يعني ان ثلاثتهم لا يشتركون في التوجه لفئات انتخابية بعينها.
فحمه الهمامي مرشح الجبهة الشعبية، الذي منح تقريبا نسبة %5 من نوايا التصويت في الرئاسية وفق نتائج سبر الآراء، يشترك ومنافسيه عبو والمرزوقي في فئتين انتخابيتين اساسيتين، «الثوريين» والشباب فئتان قد تحدد من منهم سيبلغ الدور الثاني ان وقع الفوز بثقتهما واقناعهما بالتصويت في 17 من نوفمبر2019.