كأن نبحث عن تبرير العنف الذي مارسته مجموعة استهدف اجتماع الحزب الحر الدستوري في سيدي بوزيد قبل يومين، عنف لاتزال عين الدولة لا تبصره ولا تبصر من ارتكبه وان أبصرته ما استطاعت يداها ان تطاله وبحثت لنفسها عن تبريرات عدة.
مجموعة من الأشخاص تستهدف اجتماعا حزبيا وتمنعه او تنهي أشغاله باستعمال العنف. هذا الخبر كان الخبز اليومي للتونسيين ورافقهم طوال السنوات الثلاثة الأولى للثورة. مع تغير في بعض تفاصيله كهوية الحزب المستهدف والمجموعة المهاجمة ومكان الاستهداف وساعته وهل سجلت إصابات ام لا.
خبر عاد ليجد له مكانا في حياة التونسيين ومعه عاد شبح العنف السياسي ليخيم على المشهد المتأزم بطبعه، وهذه المرة الخبر كامل هو «مجموعة من الاشخاص تعتدي على المشاركين في اجتماع شعبي لحزب الحر الدستوري يوم الاحد الفارط بولاية سيدي بوزيد». وكما سابقيه كشف هذا الخبر عن وهن الحياة السياسية في تونس. وهن لم تحل دون بروزه بيانات بعض الاحزاب الرافضة للعنف او المتضامنة مع الحزب الحر الدستوري والمنددة بما تعرض له من عنف مادي.
لكن الاهم من كشف الوهن هو كشف دور الدولة وأجهزتها في استمرار العنف السياسي المدان بالمطلق ولا تبرير له ولممارسته ضد الخصوم السياسيين، خاصة ان كان من يبرر هي اجهزة الدولة التي تتعلل بغياب التنسيق المسبق والمباشر معها لتامين الاجتماع ومنع الاعتداء او بغياب شكاية لتتبع المعتدين.
تبريرات تقدمها وزارة الداخلية والنيابة العمومية لتخلي مسؤوليتها عن ما حدث، وكأنما الأمر لا يتعلق بدورهما او وظيفتهما الأساسية وهي ان يكونا حازمين وصارمين تجاه كل من يرتكب عنفا إن كان فردا أو مجموعات. وان يكونا اشدّ تجاه العنف السياسي خاصة وان البلاد عاشت تجارب مؤلمة نجمت عنه وعن إفلات مرتكبيه من العقاب.
عنف سياسي، ليس نتاج الثورة كما يرى البعض بل هو مرتبط بالساحة السياسية التونسية منذ أمد بعيد، ولكنه اثر الثورة اتخذ أشكالا جديدة واتسعت قاعدة ممارسيه، من افراد وجماعات وتنظيمات، لعل أبرزها روابط حماية الثورة التي اقتحمت الحياة السياسية التونسية بممارسة العنف ضد خصوم الترويكا خلال السنوات الثلاث من حكم الأخيرة. وما ترتب عنه صمت أجهزة الدولة عن كف يد هذه الروابط من أحداث عنف أدت في النهاية الى مقتل لطفي نقض.
حادث اليم سبقته إنذارات عدة خلال ثلاث سنوات، ما قبل انتخابات 2011 وما بعدها لكن كما هو الحال اليوم- بعد الاعتداء على اجتماع الحزب الحر الدستوري- وقع التقليل من خطره أو التغاضي عن تتبع مرتكبيه قضائيا بحجة ان لا شكاية وقع تقديمها لتتبع المعتدين، وهذا ما قاله الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد يوم أمس. اذ أن النيابة العمومية في الجهة لم تتحرك لتتبع المعتدين لان لا احد تقدم إليها واشتكى.
تحجج يغفل صاحبه عن ان البلاد تتجه الى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد 6 أشهر، والمناخ الحالي ينذر بان بقعة زيت العنف قد تتوسع وتعيد البلاد الى مربع خلنا اننا غادرناه. مربع تميز بان الخلافات السياسية باتت تحلّ بالعنف المادي في الشارع واقصاء الخصوم ومنعهم من النشاط.
خصوم سيتوجهون خلال اسابيع الى الانتخابات وما يعنيه هذا من ضرورة التحرك والنشاط الميداني الذي قد يصبح مهددا بتعرضه لعنف لمنعه ومنع الخصم من التسويق لنفسه، سواء كان المستهدف شخصا او حزبا او ائتلافا. وهذا مرجح في ظل الصمت الرسمي عن مرتكبي الاعتداء الاخير على الحزب الحر الدستوري.
اعتداء يبحث البعض عن تبريره باعتباره نتيجة لخطاب الحزب وتوجهاته، وهذا خطر بذات قدر خطر افلات الجناة من العقاب، فالحياة السياسية السليمة تستوجب ان تدار في ظل مناخ خال من كل عنف او محاولات لاحتكار المجال العام والفعل السياسي باسم أي توجه او قضية.