الهيئة عملت من اجل تحقيق أهداف العدالة الانتقالية غير انّ زمرة من الاشرار حالت دون ذلك واستهدفت الهيئة وعرقلت عملها الذي انجزته وبشرت التونسيين بأنّ «قطار العدالة الانتقالية وصل الى المحطة بامان».
152 صفحة هو حجم الجزء الاول من التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، الصادر يوم الثلاثاء الفارط، صفحات بوبت في 12 محورا رئيسيا حملت بدورها هوامش ونقاطا فرعية بلغت المئة تقريبا ثلثها مخصص لتقديم الهيئة ومقاربتها في ملف العدالة الانتقالية وهيكلتها والقانون المنظم لها والمنظومات التي اعتمدتها في الإنفاق.
اما الثلث الباقي فخصص بدوره أيضا لتقديم هياكل الهيئة التي كلف كل منها بملف مع مزج هذا التقديم بعرض ما حققته الهيئة من انجازات وأعمال سمحت لها بان تشدد في تقريرها على «اليوم نعلن أمام الجميع أن قطار العدالة الانتقالية قد وصل إلى المحطة بأمان. وأصبحت المصالحة الوطنية الآن في متناول الجميع أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى. فقد كشفت الحقيقة وقطع الطريق نهائيا أمام الإفلات من العقاب. وبذلك فقد تمت مصادرة الديكتاتورية بشكل لا رجعة فيه» وفق ما تضمنته كلمة رئيسة الهيئة.
هذه البشرى والإقرار بان مسار العدالة الانتقالية انجز وبذلك بتنا مهيئين للمصالحة الوطنية وكشف الحقيقة، أصدرتها الهيئة ورئيستها رغم « العرقلة والتعامل السلبي» من قبل اكثر من طرف مع الهيئة ومحاولتهم الحيلولة دون انجاز مهمتها.
هنا تقدم الهيئة في ثلثها الاخير من التقرير هؤلاء الاشرار الذين استهدفوها واستهدفوا مسار العدالة، ولان كل قصة تتضمن شريرا وتستوجب وجود بطل وضحية، فان الهيئة لعبت الدورين معا، فهي البطل الذي انقذ مسار العدالة الانتقالية من الوأد والتوظيف والعرقلة، وهي ضحية «تضليل إعلامي» واستهداف ومعاملة سلبية من كل أجهزة الدولة دون استثناء.
بطولة تتقمصها الهيئة ورئيستها لتتنصل من مسؤوليتها عن فشل مسار العدالة الانتقالية، الذي يختزل عند الهيئة في جلسات استماع سرية وعلنية ومؤتمرات انتهت بصياغة الجزء الثاني من التقرير الذي تضمن توصيات من بينها التوصيات السبع الصادرة في جزء «تفكيك منظومة الفساد»، التي اختزلت كل شي في مراقبة تمويل الاحزاب والحملات الانتخابية وفي وسائل الاعلام.
مسار تعتبر الهيئة انها استكملته باصدار تقرير ختامي مقسم على اربعة اجزاء، الاول منها حمل كمّا من المغالطات واعادة توجيه الاحداث والوقائع لصالح رواية الهيئة ورئيستها، التي قامت على فكرة اساسية وهي شيطنة الجميع وتبرئة الذمة من تحمل مسؤولية تعثر المسار وفشله في تحقيق اهدافه.
فشل ان نعتت به الهيئة كان ردها «التعامل السلبي» او «الخروج عن الحياد» او «التضليل الاعلامي»، وصفة اعتمد اولها مع الاجهزة التنفيذية للدولة من رئاسة جمهورية وحكومة وايضا منظمات المجتمع المدني على غرار اتحاد الشغل والثاني مع المنظمات الدولية المختصة في العدالة الانتقالية التي تتهمها الهيئة بانها انحرفت ولم تعد حيادية بل وتستهدف الهيئة على غرار المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومكتبه بتونس.
الانحراف عن الحياد لم يكن مقتصرا على المركز الدولي الذي انتقد الهيئة منذ 2017، بل والارشيف الوطني الذي اتهمت الهيئة رئيسه بانه اصطف ضدها، على خلفية ما يعرف بملف الارشيف الرئاسي الذي عملت الهيئة على الاستحواذ عليه قبل مراسم تسليم المهام بين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي.
هذه عينة مما تضمنه الجزء الاول من تقرير الهيئة من تظلم وشكوى، فالهيئة التي بحثت عن انجاح مسار العدالة الانتقالية وتمكنت من ذلك وفق تقريرها، واجهت جيشا من الاعداء، ولكنها لم تواجه سوء تصرف أو انحرافات من داخلها، ومن يشير الى هذا فهو من «المضللين».
تقرير جزؤه الاول جاء لينسف أي أمل في ان تحدث معجزة، فهو كرر خطاب السنوات السابقة وحافظ على ذات السياسة التي قسمت التونسيين من اجل عيون رئيسة الهيئة التي وأدت العدالة الانتقالية وشوهت مسارها وتمشيها لاسباب شرحت من قبل.
تشويه جعل المسار يختزل في نقطة وحيدة وهي التعويضات المالية، اما بقية نقاطها الاساسية فقد سقطت تباعا وبسقوطها فشل المسار برمته في الكشف الفعلي للحقيقة ومحاسبة المذنبين والمصالحة والاعتذار لاحقا قبل الوصول الى التعويض ورد الاعتبار.
أربع سنوات ونصف اهدرت في معارك وهمية وتعنت رئيسة الهيئة، وضياعها يبدو ان فرصة معرفة كيف كان النظام الاستبدادي يعمل باتت صعبة جدا وقد يقع الاكتفاء بالتقرير الانشائي للهيئة وما تضمنه من معطيات لا تسمح بتفكيك شبكة النظام القديم بل قد تمنح أتباعه اليوم مشروعية.
المكلف العام بنزاعات الدولة يرد على تصريحات سهام بن سدرين بخصوص استرجاع الأموال المنهوبة
ردا على تصريحات رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، أمس الأربعاء في إحدى الإذاعات الخاصة والتي قالت فيها «إن الدولة فضلت عدم استرجاع مبالغ مالية هامة لفائدة الخزينة العامة» أوضح المكلف العام بنزاعات الدولة، أنه قد انخرط فعلا في حق الدولة التونسية في منظومة العدالة الإنتقالية، منذ انطلاق عمل الهيئة، بتقديم مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي والإداري المنشورة لدى المحاكم وذلك منذ شهر جوان 2016 بصفتها ضحية. وأضاف المكلف العام بنزاعات الدولة، في بيان له، أنه «تولى أيضا الجواب في القضايا التحكيمية، على اعتبار أن الدولة شريك أساسي في مسار العدالة الإنتقالية، بانخراطها الإيجابي والتام في إنجاح هذا المسار، مع ضرورة الأخذ في الإعتبار مبدأ التعويض العادل عن الأضرار اللاحقة بها».
وبخصوص ما ورد على لسان بن سدرين عبر موجات إذاعة شمس آف آم، في برنامج «الماتينال»، حول «طلب المدعو بلحسن الطرابلسي والمتعلق بعرض مبلغ ألف مليون دينار، بعنوان التعويض عن الأضرار الحاصلة للدولة من جراء استغلاله لنفوذه وارتكاب جرائم الفساد المالي»، أكّد المكلف العام بنزاعات الدولة أن الهيئة «لم تعرض عليه إطلاقا مطلب الصلح المُقدّم من قبل بلحسن الطرابلسي والمتضمّن للعرض المالي المشار إليه آنفا، مما ينفي إدعاءات رئيسة الهيئة حول رفض المكلف العام التصالح مع المعني بالأمر».
وفي ما يتعلق بما أثارته سهام بن سدرين حول «طلب المدعو محمد فهد صخر الماطري والمتعلق بعرض مبلغ 500 ألف دينار، بعنوان التعويض عن الأضرار الحاصلة للدولة من جراء استغلاله لنفوذه وارتكاب جرائم الفساد المالي»، قال المكلف العام بنزاعات الدولة في بيانه: «إن المبلغ المالي المقدم من المدعو محمد صخر الماطري والمعروض على مؤسسة المكلف العام، وفق النموذج الرسمي لهيئة الحقيقة والكرامة، هو 15 مليون دينار فقط، بما تعذّر معه قبول التصالح مع الطالب، نظرا لانخفاض قيمة المبلغ مقارنة بجسامة الأضرار».