الرئاسية
الشاهد في الطليعة وتنافس بين سعيد والمرزوقي وموسي قادمة من بعيد والهمامي صامد وقائد السبسي خارج المنافسة
هذه أول عملية سبر آراء لنوايا التصويت بالنسبة لتشريعية ورئاسية 2019 نقوم بها وفق قائمة مقترحة للمستجوبين لا بالاعتماد على الأجوبة العفوية،أي أننا نضع المستجوب في وضعية تشبه يوم الاقتراع عندما يجد امامه جملة من القائمات في التشريعية وجملة من الشخصيات في الرئاسية ، وتعتمد هاتان القائمتان على الأحزاب والشخصيات التي تقدمت في عمليات سبر الآراء الفارطة والتي كانت تعتمد على الأجوبة العفوية فقط . وينبغي التنويه الى أن ترتيب القائمتين يتغير في كل عملية استجواب بصفة آلية حتى لا يستفيد أحد من موقعه في القائمة .
من الآثار الجانبية لهذه الطريقة أن ترفع نوعا ما في نسبة المشاركة الافتراضية (حوالي %70 في التشريعية و%85 في الرئاسية ) كما أن هاتين القائمتين سيتم تحيينهما في كل عملية سبر آراء وفق نتائج الترتيب العفوي للقائمات والشخصيات
النهضة تتقدم والنداء يصمد
تواصل حركة النهضة تصدر الترتيب في الانتخابات التشريعية بحوالي ربع الأصوات (%24.7) أي أنها تكاد تكون في نفس مستوى نسبها المائوية في تشريعية 2014 وبلديات 2018 والأرجح أن تكون هذه النسبة أرفع من هذا بقليل في صورة حدوث انتخابات فعلية باعتبار الارتفاع الاصطناعي إلى حد ما في نسبة التصويت وفق طريقة القائمات المقترحة ..أما اللافت للنظر فعلا فهو صمود نداء تونس الذي يبقى قريبا من مستوى ما أنجزه في بلديات ماي 2018 إذ يحصل على %20 من نوايا التصويت المصرح بها ويحافظ على معاقله التقليدية إلى حد الآن ، وخاصة في الشمال الغربي (%26.7) والوسط الشرقي (%26.8) أي وكأن القاعدة الانتخابية الندائية في ماي 2018 لم تتأثر كثيرا بالأزمات المتتالية والمتفاقمة للحزب الفائز بانتخابات خريف 2014، وقد يعود ذلك إلى عدم توفر البديل المقنع بالنسبة إليهم فبقي النداء بما له وما عليه اليافطة الأولى – إلى حد الآن – لما يسمى بالعائلة الوسطية في البلاد..
«تحيا تونس» في المرتبة الثالثة
ظهر لأول مرة في عملية سبر آراء نوايا التصويت الحزب الجديد الذي يتزعمه رئيس الحكومة ويشرف عليه الآن سليم العزابي «تحيا تونس» الذي أحرز على المرتبة الثالثة بـ%11.9 من نوايا التصويت وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها حزب انشق عن النداء التاريخي من الحصول على نسبة مهمة من نوايا التصويت ، بل تمكن هذا الحزب الناشئ من التفوق على النداء في تونس الكبرى (%17.0 لتحيا تونس مقابل %16.1 للنداء ) ولكن عوده ظل غضا في جل مناطق البلاد رغم استفادته القصوى من اسم زعيمه ومن موقعه في رئاسة الحكومة.
ولكن نحن نتحدث عن حزب ناشئ وقد تكون لديه إمكانيات تقدم إضافي خاصة لو استمرت أزمات النداء ولو تمكن جماعة «تحيا تونس» من مواصلة افتكاك أجزاء أخرى من الجهاز المحلي والجهوي للنداء..
الحزب الدستوري الحر ، هذا القادم من بعيد
المفاجأة الأهم في نتائج سبر الآراء هذا هو الصعود الهام للحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه عبير موسي والذي تمكن في ظرف قصير من قوة جاذبية لعلها هي الأهم اليوم في الساحة السياسية ..
تمثل عبير موسي الوجه الرافض الجذري للثورة ولكل مخرجاتها وخطابها ، تقنيا، هو الخطاب الأبرز والأقوى في مجال ما يمكن تصنيفه بالثورة المضادة ، خطاب يبخس من شان الثورة ويعتبرها نقمة على البلاد ويتظاهر بالتفاخر لا فقط بالمرحلة البورقيبية بل وكذلك بالفترة النوفمبرية التي أشادت بها مجددا عبير موسي في الاجتماع الشعبي الذي أشرفت عليه يوم الأحد الماضي في مدينة سوسة ، خطاب يصل إلى حد الكاريكاتور بامتطاء جواد كما كان يفعل أحيانا الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة .. ولكن الأساسي لا يكمن في هذه الجوانب الفلكلورية بل في إحساس متعاظم عند التونسيين بان الوضع كان أفضل قبل 14 جانفي 2011 ، نسبة يبدو أنها تجاوزت مؤخرا %80 وفق دراسة حديثة لسيغما كونساي ، وهذا الشعور يمثل التربة الأساسية التي تتغذى منها عبير موسي وحزبها الحزب الحر الدستوري ..
صراع ثلاثي من أجل التفوق
اليوم لا يوجد خيط جامع بين النداء وتحيا تونس والحزب الدستوري الحر على المستوى السياسي ولكن هذه الأحزاب الثلاثة تتنافس بالأساس على مخزون النداء التاريخي ، والمعركة ستكون حامية الوطيس بين هذه الأحزاب الثلاثة على الفوز بقصب السبق ..
اليوم النداء هو المتقدم ولكن تقدمه غير مطمئن لأنه في حالة تراجع منذ حوالي السنتين جعلته يفقد حوالي نصف قوته الانتخابية ، هذا النصف الذي يتقاسمه اليوم تحيا تونس والحزب الدستوري الحر..
نحن الآن أمام حزب نازل (نداء تونس ) وحزب صاعد (الحزب الدستوري الحر ) وحزب ناشئ (تحيا تونس ) ولا احد يستطيع التنبؤ بمصير هذه المعركة والأرجح أن المنتصر فيها سيكون على الأقل الحزب الثاني في البلاد..
والواضح أن هذه المعركة ستكون إحدى المعارك الأساسية في الانتخابات القادمة
الجبهة تصمد والتيار يتراجع
تواصل الجبهة الشعبية المحافظة على نفس الرصيد في حدود %10 (%9.9 تحديدا) بينما يتراجع التيار الديمقراطي إلى ما تحت %6 (%5.9 تحديدا ) وهذا يعني أن المعارضة البرلمانية المتكونة اليوم أساسا من هذين الحزبين ويضاف إليهما حركة الشعب لم تستطع أن تستفيد من الصعوبات الجمة التي تعيشها منظومة الحكم بمعناها الواسع وذلك رغم شهرة بعض رموزها والثقة الكبيرة التي يحظون بها لدى شرائح واسعة من التونسيين ..
وهذا يدل بوضوح على أن المعارضات اليوم ستكون أمام امتحان عسير لتثبت أنها تجاوزت حالة الظاهرة الصوتية والكائنات الحزبية الصغيرة وأنها تمثل فعلا وجهة نظر وازنة شعبيا ومن بعد ذلك انتخابيا ..
الرئاسية : تقدم نسبي ليوسف الشاهد والباجي قائد السبسي خارج المنافسة
في نوايا التصويت للرئاسية مازال يوسف الشاهد يتصدر الترتيب ولكنه نزل هذه المرة تحت سقف %20 (%19.3) بما لا يجعله في منأى عن مفاجأة غير سارة لأنه فقد تقدمه الكبير على منافسيه الذي ارتفع في الشهر الفارط إلى حوالي عشرين نقطة بينما نزل هذه المرة إلى حدود سبع نقاط فقط..
مازال الأستاذ الجامعي قيس سعيد في المرتبة الثانية بـ%12.1 ولكنه أصبح ملاحقا بصفة جدية من قبل الرئيس السابق المنصف المرزوقي بـ%11.7 ..
وتأتي عبير موسي بعد ثلاثي الطليعة بـ%7.1 متقدمة على الثنائي حمة الهمامي والباجي قائد السبسي المتحصلين على %6.7 لكليهما ، والواضح أن رئيس الجمهورية الحالي قد ابتعد كثيرا عن المواقع المتقدمة وان حظوظه – على الأقل اليوم – أضحت ضعيفة للتنافس الجدي وللترشح للدور الثاني. اللافت للنظر في نوايا التصويت في الرئاسية أن المعركة الانتخابية غير محسومة وأن لا أحد يستطيع اليوم التأكد من تواجده في الدور الثاني بما في ذلك يوسف الشاهد رغم كونه يبقى إلى حد الآن الأوفر حظا للمرور إلى الدور الثاني إن بقيت الأمور على حالها ولكن هنالك شخصيات عدة مازالت حظوظها قائمة وإن كان ذلك بنسب متفاوتة ونذكر بالخصوص مهدي جمعة (%5.3) ومحمد عبو (%4.7).
نقول هذا خاصة وأن هنالك بعض المترشحين المنتمين لنفس الحزب أو العائلة الفكرية وأن انسحاب البعض قد يقوي من حظوظ الآخرين فالجبهة ممثلة هنا بحمة الهمامي (%6.7) ومنجي الروحي (%2.1) فلو تمكن أحدهما من جمع كل هذا الرصيد فسيكون منافسا جديا على المرتبة الثانية .. ونفس الأمر يصح ولو بنسبة أقل على محمد عبو (%4.7) وسامية عبو (%1.9) رغم أننا نعلم أن عمليات الجمع في السياسة ليست دوما عمليات رياضية .
نحن الآن أمام مشهد وقتي لموازين القوى السياسية بين الأحزاب والشخصيات قبل الانطلاق الفعلي للحملة الانتخابية وقبل التوضح النهائي للعرض السياسي .. فنحن لا نعلم إلى حد الآن هل ستكون هنالك قائمات مستقلة ذات وزن جهويا أو حتى وطنيا كما لا نعلم هل سيدخل اتحاد الشغل الانتخابات من بابها الكبير أم هل سيكتفي بترك حرية الترشح لمنخرطيه كما أننا لم ندخل بعد في التضافر الايجابي أو السلبي بين الأحزاب والشخصيات إذ لا ننسى أن شبه التزامن بين التشريعية والرئاسية المفصولتين فقط بخمسة أسابيع ستدخل حركية يصعب التكهن بنتائجها منذ الآن ..
وأخيرا الواضح أن المشهد الحزبي مازال متحركا وأن هنالك تحالفات بصدد الانضاج وأزمات لبعض الأحزاب الأخرى لم تفض إلى نتائجها الأخيرة ..
نحن أمام مشهد مفتوح فيه بعض الثوابت ومتغيرات كثيرة .. متغيرات ستدخل في عملية تفاعل ديناميكية في الأسابيع والأشهر القادمة تجعلنا غير قادرين على توقع موازين القوى النهائية التي سيفضح عنها الصندوق ..
نحن إزاء نصف سنة ستكون حاسمة لتشكيل المشهد السياسي للخماسية القادمة..