عن وجود إمكانية لتشكيل حكومة انتخابات تعوض حكومة الشاهد، تصريح فهم منه انه إعادة لتحديد العلاقة بين هذه الحكومة والنهضة، ولكن الحقيقة مختلفة نسبيا عن هذا الفهم، فالنهضة ورئيسها يبدو إن هدفهم هو «إلقاء حجر» لتحريك المياه الراكدة.
من المنستير اعلن رئيس حركة النهضة في تصريحات إعلامية، نقلتها عنه عدة إذاعات، ان الحركة ترى انه يمكن تغيير حكومة الشاهد وتعويضها بحكومة تيكنوقراط تشرف على الانتخابات، اذا توفرت جملة من الشروط والظروف العامة.
حيث قال رئيس حركة النهضة «نحن بصدد التشاور مع كل الأطراف حول ما إذا كانت الحكومة القائمة اليوم هي التي ستقود الانتخابات أم سيقع تغيير حكومي لقيام حكومة تكنوقراط أو حكومة انتخابات»، ونقلته عنه اذاعة جوهرة اف ام، وتضمن ايضا اشارة الى انّ فرضية « تغيير الحكومة قبل الانتخابات غير مستبعدة».
فرضية هذا نصفها الاول، أما الثاني فهو ان حكومة الشاهد قائمة الى الانتخابات، والحركة لم تنطلق بعد في المشاورات الرسمية لتغيير الحكومة، وهذا تصريح قدمه لاذاعة موزييك في ذات اليوم.
في انتظار انطلاق هذه المشاورات، كما صرح لموزييك، يقول الغنوشي ان حركته حريصة على عدم الخلط بين الحزب والحكومة، واساسا هي ترفض أي توظيف للحكومة والدولة لصالح الاحزاب، القديمة او الجديدة.
ما بين انطلاق المشاورات وعدمها، وقعت اللخبطة حول ما تسرّه النهضة في صدرها ولا تعلنه بشكل صريح، فالحركة التي قال قادتها طوال يوم امس انهم مع الاستقرار الحكومي، وان التصريح الذي صدر عن رئيسها، بشأن الحكومة هو تفاعل مع فرضيات قد تطرح في المستقبل.
هذا الموقف لم يصمد كثيرا، فالقيادي بالحركة العجمي الوريمي نشر مقالا في موقع «تونسيون» خصص لمناقشة مبادرة تغيير حكومة الشاهد، باعتبارها «فكرة قوية» فرضت نفسها على الساحة.مبادرة حكومة الانتخابات، يعتبرها الوريمي، هامة دون أن يغفل عن الاشارة الى ان الناطق الرسمي للجبهة الشعبية حمة الهمامي هو اول من طرحها حرصا على سلامة الانتخابات ونزاهتها وجعل جميع الفرقاء ينطلقون في السباق الانتخابي من خط واحد.
الاقرار بان الجبهة والناطق باسمها هم اول من بادر بعرض فكرة حكومة الانتخابات ليس هو فقط مؤشر مغازلة النهضة للجبهة وزعيمها، حيث شدد الوريمي على ان «زعيم الجبهة تخفف من الشرط العبثي الذي نادت به بعض الأطراف وهو أن لا انتخابات قبل الفصل في موضوع ما سمي بالتنظيم السري».
مقابل مغازلة الجبهة يقع الاقرار من قبل الوريمي نداء تونس بات في وضع «صعب» فالحركة التي اسسها الرئيس تواجه ما اعتبره الوريمي «فشل في عقد مؤتمره وصعوبة انعقاد مؤتمر ديمقراطي انتخابي»، بل ان الحزب بات يمثل عقبة للرئيس الباجي قائد السبسي، فالنداء لم يعد يتسع لاية مبادرة ولا يستطيع ان يكون محور لاية جبهة.
لهذا فمن الافضل ان يتحرر الرئيس من حزبه ليكون مهيئا لطرح مبادرات سياسية، باعتبار انه لم يعد من الممكن بالنسبة للباجي قائد السبسي «إيقاف انهيار الحزب ونزيف التفكك والاستقالات والخلافات».
هذا التوصيف الذي اعتمده الوريمي وكان اكثر وضوحا وصراحة في شرح اسباب تقديم رئيس حركته لتصريحات صحفية، سواء لاذاعة جوهرة او موزييك، دون إغفال الاختلافات بينهما في ما يتعلق بانطلاق المشاورات من عدمه، لم يمر دون الكشف عن السبب الاصلي للتصريح.
والسبب هو ما اعلنه الوريمي من ان «الحفاظ على مسافة أمان مع الشاهد فيه مصلحة للبلاد وللطرفين ولا أحد غير الشيخ الغنوشي يمكن أن يقدر بدقة تلك المسافة.» أي ان الحركة باتت تنظر الى حليفها يوسف الشاهد بغير العين التي كانت تنظر بها اليه في السنة الفارطة.
فالنهضة تعتبر ان الشاهد «بات الرجل القوي في معادلة السلطة التنفيذية» وبعد ان بات له حزب صار مؤهلا «لخوض الاستحقاقات القادمة في منافسة النهضة وغيرها» وهذا التنافس لن ينظر اليه على انه امر محمود فالخصوم والشركاء لن ينظروا بارتياح « لاستخدام إمكانيات الدولة في معاركه الحزبية وفي بناء الحزب».
الوريمي يشرح تصريح رئيس حركته بانه تحديد لما هو قابل للنقاش من عدمه، والنهضة نظرا لعدة معطيات باتت تعتبر ان «تكوين حكومة انتخابات ليس أمرا خارج النقاش»، فقط النقاش أي انها لن تمر الى الخطوات العملية دون استيفاء النقاشات وهذا قد يعني ان الحركة ان كانت جادة في ازاحة الشاهد فانها ستكشف خلال الشهر الجاري عن ذلك، انطلاقا من مسألة العتبة والمحكمة الدستورية.
اما ان مر الشهر دون ان تكشف النهضة جديتها في مسألة حكومة الانتخابات، فان تصريحات قادتها لا تعدو ان تكون اكثر من تصريف لازمة داخلية اثارها لطفي زيتون وتعلقت بالشاهد وحكومته اساسا، وثانيها ان الحركة تريد ان تجنب نفسها منذ الان أي تبعات لبقاء الشاهد الى غاية الانتخابات، فهي ولئن لم تفرض عليه المغادرة تعتبر ان طرحها لفكرة مغادرته قد يكون كافيا لتجنب الضربات.