بحمل الصخرة من سفح الجبل إلى قمته وكلما ظن انه وصل عاد للأسفل في حركة أبدية، فان النداء عوقب بانقسامات بين قادته كلما وجد لها حلاّ عادت للظهور ، وكأنه في أزمة أبدية.
ربما لم يبالغ رئيس لجنة اعداد المؤتمر رضا شرف الدين حينما وصف الخلافات والازمات المحتدمة في حزبه بأنها عادية والنداء اعتاد عليها، لكنه غفل عن تقدير ان التعود على الازمات لا يعنى «حصانة» الحزب من الاضمحلال، خاصة وان هذه الازمة تاتي في سياق مختلف كليا عن سابقاتها في 2014و2015و2016و2017 الخ...
فالازمة اليوم في الحزب قسمته الى شقين، الاول شق المكتب التنفيذي يبرز فيه كلاعب اول رضا بالحاج، العائد الى النداء بعد مغادرته ضمن حزمة من الاتفاقات مع رئيسه المؤسس (انظر مقال كريمة الماجري)، والشق الثاني هو شق الهيئة السياسية يبرز فيه كلاعب اساسي حافظ قائد السبسي نجل الرئيس.
شقّان كانت الصدمات بينهما قائمة ولكن كتم صوتها لتجنب هزات تحيد بالحزب عن مخططاته التي رسمها قصر قرطاج في مسعى منه لاعادة الحزب الى مرحلة اشعاعه قبل انتخابات 2014، لكن الصمت لم يعد ممكنا بعد قرار الهيئة السياسية تجميد عضوية المنسق العام للحزب رضا بالحاج واتهامه من قبل القيادية بالحزب انس الحطاب بانه يسعى للسيطرة على المؤتمر عبر الضغط على لجنة اعداده.
مؤتمر يقول عنه منجي الحرباوي، أنه قيد الانجاز وفق خارطة طريق اعتبر ان بالحاج و مجموعة «المكتب التنفيذي الاصلي» يهددونها ويشوشون عليها، قبل ان يشير الى ان المنسق العام للحركة هو من هندس لاحداث هذه المجموعة بهدف التشويش على المؤتمر. لانه يخشى ان لا يكون من ضمن القيادات الجديدة للنداء التي سيفرزها المؤتمر.
مؤتمر كلفت لجنة ترأسها رضا شرف الدين بالاشراف عليه ومنحت لها صلاحية كاملة، وهذا ما يشدد عليه الاخير وهو يؤكد ان لجنته لم تتعرض الى ضغوط من قبل المنسق العام رضا بالحاج او غيره، ويطالب الجميع بترك اللجنة تعمل بعيدا عن المشاكل الجادة بين المتخاصمين. فاللجنة محايدة وعلى نفس المسافة كما يقول. حياد يجعلها تتجنب الخوض علنا في ازمة تجميد بالحاج، ولكن هذا لا يمنعها من التحرك لمنع تصعيد الازمة اكثر بما قد يهدد المؤتمر الانتخابي المزمع عقده في 6 افريل القادم.
مؤتمر يبدو انه لن يحقق أول «اهدافه ومهامه» وهو توحيد الحزب واستيعاب شخصيات جديدة من خارجه، فالصدام بين بالحاج ونجل الرئيس ليس صداما بين شخصين بل بين مجموعتين في الحزب، لكل منهما «مصالح» وحسابات تريد حمايتها واساسا حماية مكانها في الصف الاول من القيادة.
حماية الموقع هي الهاجس الذي يسيطر على الجميع في النداء، من له موقع او من يبحث على ان يكون له، فالجميع يعتبر انه من الضروري استباق فتح ملف القيادة الجديدة التي لم تستهل نقاشاتها بعد لتحديد هيكلتها او شكلها ومن هو المعني بان يكون من ضمنها، استباق يجعل كل طرف يشن حروبا على خصومه لاضعافهم او اقصائهم من المشهد.
والهدف هو ضمان حظوظ وافرة لنفسه، والامر يبدو انه مشترك عند الخصمين، فحافظ والمحيطون به يراهنون على ان يزكيهم المؤتمر، ان عقد، في موقع القيادة وهذا ليس الهدف بحد ذاته، وانما هو الانتخابات القادمة، فقيادة الحزب ستمكن هذه المجموعة من احكام القبضة على عملية اعداد القائمات الانتخابية.قبضة لا يريدون منها الفوز في الانتخابات بالمركز الاول وانما ضمان البقاء في حده الأدنى، وهذا يعنى مقاعد نيابية اقل وهو ما يستوجب ان يقع توزيعها على «المقربين». لضمان ولاءهم لاحقا.
نفس المنطق يفكر به الطرفان، وهو ان المؤتمر لم يعد هو الرهان في حدّ ذاته بل الانتخابات هي الرهان، وما المؤتمر الا محطة اساسية لبلوغ الهدف، والقصد بان المؤتمر محطة اساسية وحيوية يعني فقط من لا يمسك بالجهاز الحزبي اي خصوم حافظ قائد السبسي.