انتقام من الشاهد، فالرجل يوم أمس جمع الأضلع الثمانية للحكم في تونس، الرئاسات الثلاث والمنظمتين الاجتماعيتين وقادة الكتل البرلمانية الثلاث الداعمة للحكومة ليطالبهم بتحمل مسؤولياتهم، فالحكم مسؤولية وليس امتيازا.
أعلنت رئاسة الجمهورية يوم امس أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عقد اجتماعا طارئا يوم امس، جمعه بكل من يوسف الشاهد رئيس الحكومة، ومحمد الناصر رئيس مجلس النواب والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، ورؤساء الأحزاب والكتل البرلمانيّة الداعمة للحكومة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وامين عام حزب حركة مشروع تونس محسن مرزوق، واخيرا مصطفى بن احمد رئيس كتلة الائتلاف الوطني.
لقاء نشرت الرئاسة مقتطفات قصيرة منه في تسجيل مصور، تضمن كلمة ختامية ألقاها الرئيس، وهو محاط بباقي مثمن الحكم في تونس اليوم، والكلمة الختامية في ما يشبه الندوة الصحفية لم تختلف في مضمونها عن كلمة الرئيس الافتتاحية، وان كانت اقل حدة.
فالرئيس، ووفق بلاغ الرئاسة، أكّد على ضرورة مواصلة الحوار بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنيّة والترفّع عن الحسابات السياسيّة الضيقة وإيجاد حلول جذريّة كفيلة بتفكيك عناصر الأزمة الراهنة واتّخاذ القرارات الشجاعة والجريئة الكفيلة باعادة الأمل للتونسيين وصيانة المسار الديمقراطي وحماية الدولة من الأخطار المحدقة بها، مع الولاء فقط لتونس والمصلحة العليا لشعبها.
بلاغ تضمن ايضا ان الرئيس وفي اللقاء بحث مع الحاضرين مستجدّات الوضع العام بالبلاد وأساسًا الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الراهنة. التي ادت الى ارتفاع منسوب الاحتقان والتوتّر السياسي، في ظرف أمني يتّسم بالدقة ويشهد محاولات متكررة لاستضعاف الدولة وتهديد كيانها، بما لا يبشّر بانفراج سريع للأوضاع وقد يفتح الباب أمام مزيد من المخاطر والتحديّات.
بلاغ تحدث عما جرى دون ان يقدم كيف كانت الصورة الفعلية، وهو ما تكفل به التسجيل المنشور في صفحة الرئاسة، فمنذ لحظاته الاولى حرص الرئيس في كلمته على تحميل الحكومة والداعمين لها مسؤولية الازمات ومسؤولية ايجاد الحلول لها.
بل انه استهل قوله لمن يستمع اليه، وهنا لم يكن الكلام فقط موجها للحاضرين انما لعموم التونسيين ممن سيشاهدون التسجيل، ان الوضع العام بالبلاد «سيء ويتجه إلى الأسوأ» وان التوتر الاجتماعي مرتفع بدرجة تنبئ بخطر، وهذا يتزامن مع «تهديد باضراب عام في جانفي القادم».
والاضراب الذي يشير الرئيس اليه هو اضراب يوم 17 جانفي 2019، الذي قال ان لا احد من الحاضرين باستثناء رئيس المجلس محمد الناصر يعلم تبعات الإضراب، فكلاهما عايش اضراب 78 وما ترتب عنه من قتلى واعتقالات وتشتت اجهزة الدولة. اضراب سابق قال انه بحث مع غيره، وهم خارج السلطة، ان يتوسطوا بين الحكومة والاتحاد لايجاد حل ولكنهم فشلوا لاسباب يطول شرحها وفق قوله.
اما الاضراب المزمع تنفيذه في جانفي فالرئيس يريد الحؤول دونه، لهذا جمع رئيس الحكومة والاحزاب والكتل البرلمانية الداعمة له جنبا لجنب مع اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف، لمناقشة الملف، على قاعدة ان الحكومة وحزامها السياسي هم مسؤولون عن إيجاد حل لها.
لينتهى التسجيل عند هذا الحد، لكن اللقاء استمر وقد توترت اجواؤه بعد ان اعتبر الحاضرون ان الرئيس تعمد مهاجمتهم وتحميلهم مسؤولية كل ما يقع مع اغفال ان الوضع الراهن هو نتاج مراكمات ساهم فيه الرئيس وحزبه، خاصة وان الرئيس اعرب عن عدم رضاه على سير التحوير الوزاري او سلوك الشاهد الأخير.
توتر جعل النقاشات لا تقتصر على ملف الاضراب العام وايجاد اتفاق بين الحكومة واتحاد الشغل بشان الزيادة في اجور الوظيفة العمومية وانما فتح كل الملفات العالقة، وخاصة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة. فاللقاء الذي وصفه مصطفى بن أحمد رئيس كتلة الائتلاف الوطني بالصريح والصادق، تناول الصدام الخفي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بشكل غير مباشر. على عكس تناوله لباقي الأزمات او مسالة عقد لقاءات جديدة تجمع اضلاع الحكم الثمانية.
ما لم يقله بن احمد وتجنب الخوض فيه كشفته مصادر اخرى، وهو ان التوتر بلغ أشده مما دفع بامين عام حركة مشروع تونس الى مقاطعة رئيس الدولة والاخير نهره وطلب انتظار دوره ليقول كلمته، كلمة اختزلتها المصادر في انها رفض لتوصيف الرئيس للوضع ومن يتحمل مسؤوليته.
والاهم ان ما إعتذر المشاركون في اللقاء عن قوله، كشفته ملامح وجوههم في اخر التسجيل المصور، توتر وغيظ تبديه كل حركة تصدر عن رئيس الحكومة والامين العام لمشروع تونس، جمود باقي الأوجه كمن صعق.