خلال مناقشة ميزانيتي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الدستورية: أزمة الهيئات الدستورية تستوجب تدخلا عاجلا من قبل مجلس نواب الشعب

شكلت مناقشة ميزانيات كل من المحكمة الدستورية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات

صلب الجلسة العامة المنعقدة يوم أمس بمقر البرلمان، جدلا بين مختلف ممثلي الكتل البرلمانية، طرحت على إثرها إشكاليات الهيئات الدستورية في ما يتعلق خاصة بانتخاب أعضائها من قبل مجلس نواب الشعب. وبعد المصادقة على مشروعي الميزانيتين المذكورتين، أنهى المجلس أبواب الميزانية، ليمر مباشرة إلى المصادقة على فصول مشروع قانون المالية لسنة 2019.

على إثر اجتماع رؤساء الكتل تقرّر إسناد الكلمة لرؤساء الكتل البرلمانية للحديث عن مواصلة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية قبل المصادقة على اعتماداتها، حيث كان من المقرّر المرور مباشرة إلى التصويت على الاعتمادات دون النقاش العام إلا أن رئيس كتلة  الجبهة الشعبية أحمد الصديق والنائبة عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو عبّرا خلال الجلسة السابقة عن ضرورة مناقشة اعتمادات المحكمة الدستورية مثلما كان الشأن بخصوص جميع الميزانيات السابقة. وتمّ الاتفاق على إعطاء الكلمة إلى رؤساء الكتل البرلمانية للتعبير عن أرائهم ومواقفهم ثمّ المرور إلى التصويت على اعتمادات المحكمة فيما بعد.

نحو حلحلة أزمة الهيئات الدستورية
الهيئات الدستورية والمشاكل التي تعاني منها برزت خلال مناقشة الميزانيات مما أجبر المجلس على اتخاذ تدابير ضرورية في أقرب الآجال لما له من انعكاسات سلبية، فعلى غرار المحكمة الدستورية، فقد قرر رؤساء الكتل أيضا دعوة أعضاء مجلس الهيئة والاستماع إليهم بخصوص المشاكل التي تشهدها الهيئة منذ فترة ومن بينها الخلاف الحاصل بين الرئيس المقال محمد التليلي المنصري وبقيّة الأعضاء. وفي هذا الإطار، قال رئيس كتلة الحرّة لمشروع تونس حسونة الناصفي، أنّ اجتماع رؤساء الكتل تطرق إلى مسألة غياب أعضاء الهيئة عن حضور الجلسة المخصّصة لمناقشة ميزانية الهيئة. وبين أنّهم أجمعوا على أنّ غياب الأعضاء دليل واضح على أن الوضع داخل الهيئة غير عادي وأن الإشكاليات أصبحت ظاهرة للعيان مما قد يؤثّر على سير عمل الهيئة والعملية الانتخابية برمّتها. وأكد في الصدد على ضرورة لعب مجلس نواب الشعب لدوره باعتباره السلطة التشريعيّة التي أحدثت هذه الهيئة وانتخبت أعضاءها.

وفي هذا الصدد تمّ اقتراح تنظيم جلسة تجمع رؤساء الكتل بمختلف أعضاء مجلس الهيئة للنظر في كيفية حلحلة الأزمة التي تمرّ بها هيئة الانتخابات والإشكاليات المطروحة والاستعداد لانتخاب 3 أعضاء في إطار التجديد الثلثي صلب تركيبة الهيئة ورئيسها إثر تقديم المنصري لاستقالته.

ضرورة تركيز المحكمة الدستورية
ممثلو الكتل البرلمانية تطرقوا خلال النقاش العام إلى معضلة انتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية، في ظل غياب التوافق حول الأسماء المرشحة الأمر الذي يعسر الحصول على الأغلبية الضرورية. وقال رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق أنه يمكن انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية دون أصوات المعارضة، باعتبار أن أغلبية 145 صوتا تستوجب اتفاق الأغلبية فيما بينهم. كما شدد على أن كتلته مع تركيز المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أنه في حالة فشل عملية الانتخاب فإن حصيلة أعمال البرلمان ستكون صفرا.

من جهة أخرى، تطرق البعض الآخر إلى الحلول أو المقترحات البديلة من أجل حلحلة الأزمة، كتنقيح القانون المحدث لها على سبيل المثال والاستناد إلى تجربة المجلس الأعلى للقضاء، حيث قال النائب عن كتلة حركة نداء تونس طارق الفتيتي أن مجلس نواب الشعب يحصد ما زرعه عندما صوت على قانون المحكمة الدستورية، باعتبار أن مرور كل مترشح عبر الأحزاب ومقدم من كتل نيابية يجعل المحكمة الدستورية مسيّسة بامتياز. وأكد على ضرورة تنقيح القانون في مستوى أغلبية الأصوات المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة الأمر الذي يجنب مزيدا من التأخير. في المقابل، حمل رئيس كتلة الحرة لمشروع تونس حسونة الناصفي المسؤولية للأحزاب الممثلة في المجلس، حيث اعتبر أن الأحزاب المتحملة لأعباء الحكم تعاملت مع النص القانوني للمحكمة الدستورية كأنها ستبقى في الحكم إلى الأبد، إلى جانب المعارضة وكأنها ستبقى في المعارضة إلى الأبد، معتبرا أن الأسماء المقترحة في عضوية المحكمة الدستورية هي أصل الداء وسبب التعطيل.

ضرورة التوافق
تصريح حسونة الناصفي قابله رد من قبل رئيس الكتلة الديمقراطية سالم لبيض الذي اعتبر أنه لا يمكن تحميل كل المجلس مسؤولية تعطيل تركيز المحكمة الدستورية، معتبرا أن البلاد تعيش أزمة سياسية والأغلبية الحاكمة المسؤولة الأولى عنها، مشددا على ضرورة التسريع في تركيز المحكمة الدستورية باعتبار أنه لا ذهاب إلى الانتخابات مقبلة دونها. من جهته، أكد النائب عن كتلة الولاء للوطن نور الدين بن عاشور على تهدئة الأجواء من خلال مطالبته بالابتعاد عن التجاذبات الحزبية إذا وجدت إرادة حقيقية من أجل مواصلة تركيز محكمة دستورية محايدة. نفس الموقف تقريبا لدى كتلة الائتلاف الوطني التي اعتبرت من خلال تدخل رئيسها مصطفى بن حمد أن كتلته مستعدة للتوافق اليوم قبل الغد دون شروط مسبقة، حيث لابد أن تعكس تركيبة المحكمة الدستورية إرادة الشعب. في المقابل، قال رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري أن خيار الـ145 صوتا كفيل بضمان استقلالية مطلقة للمحكمة الدستورية، معتبرا أنه كان بالإمكان اختيار أغلبية الـ109 أصوات في المجلس الوطني التأسيسي. كما بين أنه مع مبدأ محكمة دستورية بأغلبية معززة، داعيا الجميع إلى الاجتماع من اجل التوافق. وفي الأخير، تمت المصادقة على مشروع ميزانية المحكمة الدستورية لسنة 2019 بـ123 نعم 1 احتفاظ ودون رفض والبالغة 40861 م.د.

انتقادات وتحميل للمسؤوليات
وفي الجزء الثاني من أشغال الجلسة العامة، ناقش نواب الشعب مشروع ميزانية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المقدرة بـ 84 م.د مقابل 25 م.د سنة 2018 أي بزيادة نسبتها 236 %، تمت المصادقة عليها بـ 132 نعم 2 احتفاظ ودون رفض. مناقشة مشروع الميزانية تمت دون حضور أعضاء هيئة الانتخابات الذين رفضوا الجلوس مع الرئيس المقال محمد التليلي المنصري باعتباره لا يملك أي سند قانوني من أجل تقديم مشروع الميزانية، ليقتصر الحضور على المنصري رفقة موظفي الإدارة فقط.

النقاش العام بين نواب الشعب شهد العديد من الانتقادات في ظل الأزمة التي تعيشها هيئة الانتخابات التي لا تزال دون رئيس منذ شهر جويلية على غرار عدم تجديد ثلثي مجلسها، البعض من النواب حملوا المسؤولية لأعضاء الهيئة، في حين أن البعض الآخر اتهم المجلس بعدم حلحلة أزمة الهيئة مثلها مثل أزمة المحكمة الدستورية. وقالت النائبة عن كتلة الائتلاف الوطني هالة عمران أنه في حالة وجود إرادة من أجل ضمان مسار ديمقراطي، يجب المضي في سد الشغور وانتخاب رئيس للهيئة، باعتبار أنه لا يمكن أن تبقى الوضعية على ما هي عليه. كما بينت أن المسار الديمقراطي مهدد حتى في الاستقلالية المالية والإدارية، ومجلس نواب الشعب أكبر دليل على ذلك وهو نفس الحال بالنسبة لهيئة الانتخابات في إشارة منها إلى عدم تمكين الهيئة من الاعتمادات التي طالبت بها.

المطالبة باستقالة أعضاء الهيئة
الانتقادات التي طالت هيئة الانتخابات تطورت لدى البعض لتصل إلى حد مطالبة أعضاء الهيئة جميعا بالاستقالة من بينهم النائبة عن كتلة الحرة لمشروع تونس خولة بن عائشة التي أكدت على أن الصراعات القائمة صلب الهيئة ستحول دون تنظيم الانتخابات المقبلة بالمعايير المتعاهد عليها، معتبرة أنه لا يمكن الوثوق في ما تبقى من أعضاء الهيئة في حين أن هناك صلبها من يتصرف كرئيس دون أن يصوت البرلمان على تعيينه، مما يجعل الأعضاء دون مصداقية، داعية أعضاء الهيئة إلى الاستقالة الجماعية لان لا شرعية لهم أخلاقية. في المقابل، ثمنت النائبة عن كتلة حركة النهضة دليلة الببّة دور الهيئة على امتداد مسيرتها في المسار الانتقالي خاصة وأنها نالت العديد من الجوائز في هذا الصدد. كما أضافت أن الخلافات داخلها لم تمسّ من مصداقية الانتخابات البلدية، ولكن لابد أن لا يستمر الوضع الذي تمر به على ما هو عليه، خاصة وأن انعدام الثقة في الهيئة هو انعدام الثقة في الانتخابات، مما يستوجب على الأحزاب وكل الكتل تجاوز خلافاتها والمضي قدما في انتخاب رئيس للهيئة.

«حضور الأعضاء لن يؤثر على الميزانية»
وفي رده على تساؤلات النواب، قال عضو الهيئة محمد التليلي المنصري أن أكبر دليل على أن الهيئة نجحت في إدارة الشأن الانتخابي قبول الجميع بنتائج الانتخابات، مشيرا إلى أن ميزانية 2019 تتزامن مع تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية، حيث تمت مناقشتها طيلة ساعات صلب مجلس الهيئة قبل المصادقة عليها، لذلك فإن حضور الأعضاء من عدمه لن يؤثر على الميزانية. وبين المنصري أن القسط الأكبر للميزانية المخصصة موجّه للانتخابات، مفندا في ذلك التخوفات من عدم تمكن الهيئة من تحقيق المطلوب في كافة المحطات الانتخابية. وأضاف أنه خلال تقديم الاستقالة كان له خياران اثنان، أولهما تفعيل الاستقالة حينيا والأمر يتطلب حينها تعيين وكيل دفوعات وموافقة وزارة المالية على فتح حساب جاري بميزانية جديدة، وثانيهما تفعيل الاستقالة عند انتخاب رئيس جديد للهيئة. كما طالب المنصري بإعطاء الأولوية المطلقة لانتخاب رئيس الهيئة حتى تصبح الوضعية مستقرة وتكون رسالة واضحة للرأي العام بأن مسار الانتخابات التشريعية والرئاسية قد انطلق.

وبالمصادقة على ميزانية هيئة الانتخابات، أنهى مجلس نواب الشعب أبواب الميزانية لسنة 2019، لينطلق مباشرة في مناقشة مشروع قانون المالية من خلال تلاوة تقرير لجنة المالية والتخطيط والتنمية ثم فتح باب النقاش العام بين نواب الشعب، تليها أجوبة وزير المالية وتنتهي على إثرها فترة تقديم مقترحات التعديل من قبل الكتل البرلمانية، على أن يتم في مرحلة ثانية المصادقة على مختلف فصول مشروع القانون. لكن قبل الانطلاق في مناقشة مشروع قانون المالية، نظرت الجلسة العامة في مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الملحق عدد 2 لاتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 27 ماي 2011 بين الجمهورية التونسية والوكالة لفرنسية للتنمية والمتعلقة بتمويل مشروع إنجاز المدرسة الوطنية للمهندسين ببنزرت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115