الأولى له منذ مقتل الصحفي جمال الخاشقجي في قنصلية السعودية بتركيا، زيارة تدافع عنها تونس الرسمية بمنطق «المصالح» وتنبذها «تونس الثورة».
اقل من 12 ساعة عن اعلان موعد الزيارة الرسمية لولى العهد السعودي محمد بن سلمان الى تونس في 27 من نوفمبر الجاري، كانت كافية ليتحرك جزء من المجتمع المدني التونسي والاحزاب للاعراب عن رفض هذه الزيارة بل والتوجه للقضاء للحيلولة دونها. مستندين في رفضهم الى التهم التي تلاحق الامير السعودي بشأن قضية الخاشقجي والحرب على اليمن ومعتقلي الراي في السعودية.
مقابل هذا الرفض يتصاعد صوت تونس الرسمية، على لسان نور الدين بن تيشة المستشار السياسي لرئيس الجمهورية بالدفاع عن ا لزيارة حيث يشدد المستشار على ان تونس تميز بين قضيتين، مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي وزيارة الوفود الرسمية.
تونس الرسمية تبنت موقفا بشان قضية الخاشقجي قائما على طلب كشف الحقيقة ومعاقبة المتورّطين دون استغلال قضية القتل للمساس من «استقرار دولة شقيقة كالمملكة العربية السعودية ووضعها تحت طائلة الابتزاز’’ وفق المستشار السياسي للرئيس، الذي بنى دفاعه عن الزيارة على حجة ان تونس الدولة «تستقبل كل رؤساء الدول العربية» لاهمية هذا الزيارات على الصعيد الدبلوماسي، الذي يقوم على مقاربة لا «تتابع الأحاسيس والمشاعر» لعمر أو زيد من اية قضية بل عقيدته «علاقات تونس ومصالحها’’ كما حدد بن تيشة العقيدة الدبلوماسية لتونس.
لهذا فان «محمد بن سلمان مرحّب به في تونس»، تونس الرسمية التي تحرص على ان تكون علاقاتها بكل الدول العربية مبنية على الاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتي لا تخضع دبلوماسيتها «للعواطف والمشاعر».
هذه تونس الرسمية التي ترتب أولوياتها وفق قراءة براغماتيه وتطبق المبدأ النفعي القائم على أن «المصلحة» هي القيمة الأساسية في السياسة وليس «الواجب» كما في الأخلاق، لذلك فهي خيرت كما غيرها ان تقدم مصلحتها على اخذ مواقف اخلاقية من قضية الصحفي السعودي او الحرب في اليمن او غيرها من القضايا المثارة ضد السعودية.
خيار يبرره العقل السياسي الرسمي، باعتبار ان المملكة العربية السعودية ذات ثقل مالي ضخم قد تستفيد منه تونس لتجاوز أزمتها الاقتصادية والمالية، ويراهن العقل على ان «الأموال» السعودية ستجد في نهاية الأزمة طريقها لتونس في شكل استثمارات او غيرها. لكن بالأساس العقل السياسي الرسمي التونسي يعمل على تحقيق معادلة «صفر» أعداء وهذا يتطلب منه غض البصر عن الكثير من القضايا او تقديم خدمات بشكل غير مباشر.
لكن مقابل هذا العقل الرسمي الذي يفضل المصلحة على «الواجب» نجد تونس الثورة، التي عبرت عن نفسها بأكثر من شكل وموقف، منها موقف الجبهة الشعبية التي قال المتحدث باسمها حمّة الهمامي ان ولي العهد غير مرحب به وانها ضد الزيارة التي تعتبرها «استفزازا للشعب التونسي ولثورته ومبادئه»، كما انها تقحم تونس في سياسة المحاور الإقليمية، في إشارة الى الصراع الخليجي/الخليجي.
وتعبر تونس الثورة عن نفسها أيضا القضية التي رفعتها مجموعة الخمسين محامي لدى المحاكم التونسية لمنع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من زيارة تونس على خلفية جريمة قتل الكاتب الصحفي جمال خاجقشي بالقنصلية السعودية بأنقرة.
محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ليس أول شخصية سياسية تحدث انقساما في تونس، لكنها أول شخصية تكشف زيارتها الفرق بين تونس الرسمية وتونس الثورة، تونس الرسمية التي لم تستوعب بعد ان السياسة ليست فقط مصالح.