معلنا عن بداية مرحلة جديدة، ستكون الحركة هي ابرز الفاعلين فيها، وهذه المرحلة ستنطلق بحكومة «الائتلاف الوطني» ولن تشمل النداء ومن خلفه رئيس الدولة، وتستمر إلى أمد غير محدد بعد.
كثيرة هي النقاط التي وجب الوقوف عليها في كلمة راشد الغنوشي يوم أمس لدى افتتاحه أشغال الندوة السنوية الثانية لحركته، فالرجل الأول في اكبر حزب سياسي حالي في تونس، نطق بالكثير، بعضه واضح ساطع، وبعضه ترك امر فك تشفيره لمن هو موجه اليهم.
راشد الغنوشي الذي حرص في كلمته على ألاّ يغفل أي تفصيل او ملف تعيش على وقعه الساحة السياسية، انطلق في تقييمه بالإقرار ان البلاد تعيش منذ فترة على أزمة سياسية أربكت المشهد العام وعمقت المصاعب الاقتصادية، لكن هذه الأزمة بدورها تعمقت أكثر بقرار تعليق الحوار في قرطاج، من قبل رئيس الجمهورية.
ازمة كان بالمقدور وفق تلميحات الحركة ان يقع احتواءها، خاصة وان مشاورات وثيقة قرطاج انتهت الى الاتفاق على 63 نقطة، وما ظل الا ملف الحكومة الذي قسم الساحة بين من ينادون بالاستقرار الحكومي وإجراء تحوير وزاري جزئي وبين تغيير شامل، لكن قرار تعليق المشاورات، فاقم الأوضاع وتسبب في امتداد الأزمة.
جرد للأحداث أراد من خلاله الغنوشي سحب البساط من تحت من يحمل حركته مسؤولية الازمة، فحركته لا تتحمل تبعات تغيير مواقف المتفاوضين، اذ أنها ومنذ بداية النقاشات لم تغير من مواقفها او قراءتها لمتطلبات المرحلة، والتي تختزل في « حاجة البلاد الى الاستقرار الحكومي مع تحسين للأداء الحكومي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي»، وهو موقف النهضة منذ بداية الأزمة لغاية أمس.
موقف دافعت عنه الحركة ولاتزال، فهو موقف مؤسساته ومنها مجلس الشورى الذي أوصى في اخر دورتين له بالاستقرار الحكومي، إضافة الى التمسك بالتوافق والتشارك كخيار استراتيجي وختاما التوصية بالحرص على علاقة ايجابية مع رئيس الدولة. وهذا الاخير لم يغب عن كلمة الغنوشي. ففي منصف الكلمة تحدث رئيس النهضة عن شريكه السابق، الذي اكد ان دعم حزبه للشاهد لا يعني تنكرا له او قطيعة، وعن سبب فض هذه الشراكة التي ترفض النهضة فضها، وفق كلمات الشيخ، التي قد تتعارض مع ابتسامته العريضة حينما اعلن هذا.
ومثل حضر رئيس الدولة كان لرئيس الحكومة نصيبه من الكلمة، وربما كان القدر الاكبر، فالحركة التي أكدت أنها في مرحلة التفاوض مع رئيس الحكومة لاستكمال الشروط «الضرورية للشراكة» والانجاز بتحوير وزاري جزئي، تبحث النهضة عن أوسع قاعدة دعم له من خلال مشاوراتها مع المنظمات الوطنية .. وكل هذا لايجاد توافقات جديدة لحل الازمة وتامين
اغلبية برلمانية واسعة تساند الحكومة.
مسؤولية تتحملها النهضة، وتبررها في ظاهرها على انها «مسؤوليتها الوطنية وحرص على ان تبقى دائما جزءا من الحل» والبحث عن تقارب مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، الذين تقسمهم الحركة لشقين، شق هضم ثقافة دستور 2014 مقابل شق لم يستطع بعد التخلص من رواسب ثقافة دستور 59 الذي يرسخ الثقافة المركزية.
بعيدا عن القصد الخفي من هذه الاستعارة، كلمات رئيس حركة النهضة حملت اعلانا عن بداية مرحلة جديدة، وهي مرحلة حكومة الائتلاف الوطني، التي يبدو انها ستتكون اساسا من ثلاثة عناصر، النهضة، مشروع تونس، وكتلة الائتلاف الوطني. و سيترأسها يوسف الشاهد.
حكومة ائتلافية من اجلها تعمل حركة النهضة بكل طاقتها لضمان استقرارها وامنها من خطر «الاسقاط» في البرلمان، فمرور الحكومة هو اول خطوة اساسية للمرحلة الجديدة، التي يبدو انها لن تتوقف على السنة الراهنة بل ستمتد لسنوات لاحقة، ان نجح الشاهد ومن معه في النجاة بمشروعهم السياسي وفازوا بالانتخابات القادمة. فالحركة التي يبدو انها وان راهنت بجزء هام من ثقلها على هذا الخيار، تريد ان تضمن لنفسها مخرجا منه ان حدث وفشل.
لكن حاليا تعمل الحركة على ان تكون حكومة الائتلاف الوطني عنوانا جديدا للمرحلة القادمة، التي يبدو ان التوافق فيها سينحصر بين مكونات الحكومة، وان ظلت الحركة تدعو لان يشمل اوسع عدد ممكن، وهذا التوافق مؤهل لان يصبح «شراكة حكم» في السنوات القادمة.
مجازيا، يمكن اعتبار كلمات راشد الغنوشي تجاه، حليفه السابق رئيس الجمهورية، بمثابة خطاب في حفل تكريم «اطار احيل الى التقاعد»، فهي تقتصر على ذكر مآثره وما حققه ولكن حين الحديث عن المستقبل، ياتي الدور على غيره.