ان لم تقع معجزة ما، وفي الصراع المحتدم اليوم بين قصر قرطاج والقصبة، هذه المعركة لم تجر بعد، وإنما حلّ موعدها، وهو التحوير الوزاري، لذلك ينكب طرفا الصراع على الاستعداد والتخطيط له، تحت عنوان عريض «الـ109» فإن سعى الشاهد لضمانهم فان خصمه يسعى للحيلولة دون ذلك.
يوم امس التقى يوسف الشاهد رئيس الحكومة بأعضاء كتلة الائتلاف الوطني الداعمة له بعنوان «دعم الاستقرار الحكومي»، واللقاء لم يكن فقط لتبادل الود بل للنظر في ملف التحوير الوزاري، وهنا ليس القصد عرض حقائب او طلب السيرة الذاتية للمرشحين (انظر مقال كريمة الماجري)، بل معرفة موقف كل أعضاء الكتلة دون استثناء من التحوير.
كتلة الائتلاف الوطني
هذا اللقاء هو جد ضروري للشاهد لضمان مرور تحويره الوزاري، دون مفاجآت سيئة، فهو يعلم مثل خصمه مكامن الضعف في صفوفه، وهي هنا كتلة الائتلاف الوطني، لذلك فقد سعى لتحصينها والوقوف فعليا على التوازنات الدقيقة التي تشق الكتلة اثر تلويح خصومه باختراقهم لها.
تلويح بادر به رئيس كتلة النداء سفيان طوبال وهو يبشر انصار حزبه بان كتلتهم لن تكتفي بالتحاق نواب الوطني الحر فقط بل ستسترجع عددا من النواب الذين غادروا الكتلة في اتجاه غريمتها، كتلة الائتلاف الوطني.بشرى لم يتحقق منها بعد الا جزء طفيف، وهو عودة النائبة سماح بوحوال الى كتلة النداء منذ يومين.
خسارة وان كانت طفيفة فانها «ترعب» الشاهد، لانها تكشف عن هشاشة تماسك الكتلة بحجمها الراهن، 38 نائبا، والحجم مفتاح اساسي لتحقيق مبتغاه ومرور تحوير وزاري بـ109 وبه يحسم لصالحه أكثر من نصف الصراع مع نداء تونس وقصر قرطاج. واي اختلال في حجم الكتلة سيهدد مستقبل الشاهد نفسه وليس التحوير الوزاري.
فنداء تونس، ما بعد الانصهار مع الوطني الحر، ورئاسة الجمهورية - بشكل غير مباشر- يبذلان مساعي حثيثة لافتكاك عدد من نواب كتلة الائتلاف الوطني، وهذه المساعي تعتمد على العلاقة الشخصية القائمة بين الرئيس وعدد من نواب الكتلة او عبر وعود تتعلق بإستحقاقات 2019.
هذه المناخات هي التي هيّأت للقاء الذي جمع الشاهد بنواب كتلة الائتلاف الوطني، يوم امس، وفي انتظار الكشف عما جرى في اللقاء من تفاصيل، جزء هام منها سيكون مرتبطا بالتحوير، يجب معرفة كافة السياقات التي يشتغل عليها الجميع اما لضمان «الـ109» او الحيلولة دون ذلك، فهي لا تقتصر على كتلة الائتلاف الوطني.
حركة النهضة
ربما ليس من الخطأ الجزم بشكل قاطع ان حركة النهضة اتخذت خيارها منذ امد، وانها اختارت ان تراهن على الشاهد، ليس فقط لاستكمال السنة وضمان انجاز الانتخابات في موعدها وانما تراهن عليه كشريك تحكم معه في السنوات القادمة. لهذا فانه من الصعب ان ترهن الحركة مستقبلها وتغامر باسقاط التحوير الوزاري، خاصة وانها حسمت في مجلس الشورى الامر واختارت صف رئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية.
لكن في السياسة لا شيء ثابت وبديهي، وهو ما يؤمن به خصوم الشاهد نسبيا، لذلك فقد بحثوا عن فتح قنوات اتصال مع الحركة بشكل غير مباشر، تتمحور اساسا على دفع النهضة الى اسقاط التحوير الوزاري كعربون منها للنداء واساسا للرئيس لفتح المجال امام استئناف التوافق.
وساطة تشير كواليس القصر والمقر المركزي للنهضة انها موجودة وان بشكل غير صريح، فهي تتخذ شكل اقتراحات او دردشة، قد تتطور من مجرد همسات الى حوار مباشر بين النهضة والقصر الذي قد يقبل «تضحية» الحركة بالشاهد كدليل على «الندم» لإحياء التوافق.
لكن هذا يظل صعبا حتى وان كانت المساعي لتحقيقه مستمرة، فالنهضة تدرك ان اختيارها للشاهد كما «الموت» لا يمكن التراجع عنه، ليس لاستحالة الامر بل لانها تدرك ان تراجعها ستعقبه تنازلات كبرى من قبله وستظل غير واثقة من «المستقبل». وهذا ايضا يدركه القصر والنداء، فهم يحتاجون النهضة كعدو لتحقيق الانتصار في الانتخابات.
لكن ادراك الطرفين لحقيقة الوضع لا يحول واستمرار محاولات الوساطة، فهي ستحقق شيئا للنداء وان كان طفيفا، وهذا الشيء قد يكون أقصاه، وهو مبتغى بعض العقول في النداء، تمرد بعض النهضاويين على حركتهم والتصويت ضد التحوير، وفي الحدّ الأدنى ورقة يقع استعمالها لإقناع بعض نواب الائتلاف الوطني أنهم يحاربون في الجانب الخاسر بغية دفعهم للانسلاخ، وهذا آمل يخامر النداء.
حركة مشروع تونس
انحصار آمال نداء تونس/ قصر قرطاج على انسحابات من كتلة الائتلاف الوطني لم يحل دون ان يبحثوا عن تعزيز المواقع أكثر، عبر محاولات استمالة حركة مشروع تونس وكتلتها إلى صفهم او على الأقل ضمان حيادها والتصويت بـ«التحفظ» على التحوير. فهم يدركون ان الشاهد يسعى لتفادي اية مفاجأت في جلسة المصادقة على التحوير الوزاري وذلك بفتح قنوات الحوار مع كتلة الولاء للوطن لضمان دعمها.
المراهنة على فرضية تغيير حركة مشروع تونس موقفها، من التحوير، تبدو غير معقولة نظرا لموقف المشروع من النداء نفسه بعد الاندماج، وتفضيله ان يراهن على «مشروع سياسي جديد» مع الشاهد وغيره على ان يرهن نفسه للقيادة الجديد لنداء تونس.
لكن في الحروب احيانا ينشغل مهندسوها بحسابات تدرج المعجزات في عين الاعتبار، خاصة وان كانت هذه الحرب هي مسألة حياة او موت لهم، لا تحتمل التصرف العقلاني فقط لمنع الكارثة، والكارثة هنا هي مرور التحوير الوزاري الذي سيجهز على مساعى احياء نداء تونس او على الاقل سيعجل بانتهائه.
اليوم ستكون ام المعارك في تونس هي معارك «الـ109» صوت، التي يتحارب من اجلها كل من قصر قرطاج ونداء تونس واضعين كل ثقلهما من جهة والشاهد الذي قد تكلفه «ثقته» بالفوز مستقبله السياسي برمته.