حينما أعلن انه لم يفاجأ بانصهار الوطني الحر مع النداء او انه لن يفاجأ بأية تطورات دراماتيكية في الساحة السياسية خلال الفترة القادمة، فالرجل يدرك كما جل الفاعلين في المشهد أنهم إزاء سنة انتخابية، يتصارع فيها بشكل علني وصريح رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على من يمثل «الوسط».
يوما عن يوم تتضح معالم خطة «المواجهة» التي تعتمدها حركة نداء تونس لوقف زحف ابنها يوسف الشاهد، من ذلك انسلاخ نواب الاتحاد الوطني الحر عن كتلة الائتلاف الوطني والتحاقهم بالنداء، وايضا الموقف الجديد للوطني الحر المطالب برحيل الشاهد وتكثيف الهجوم عليه.
الاتحاد الوطني الحر لم يقف عند يوم السبت واعلانه عن قراراته الجديدة، فيوم الاحد الفارط اتخذ قرار «الاندماج» في حركة نداء تونس والحاق نوابه بنواب النداء في البرلمان في مسعى لعودة كتلة النداء للمرتبة الثانية.
التاريخ قد لا يعيد نفسه بشكل حرفي لكن كثيرة هي التقاطعات بين ما جد في 2016 وما يحدث اليوم، فالنداء ولدى مواجهته لابنه السابق محسن مرزوق اعتمد تقريبا خطوات مشابهة، ضم نواب جدد، احتواء واستهداف المنشقين، وغيرها من الخطوات التي يبدو انها ستتكرر في المواجهة الجديدة.
مواجهة يصادف انها تتم اليوم بين مهندسي المواجهة السابقة، رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الذي انخرط بشكل مباشر في الصراع بين نجله والشاهد وبات متحكما في الحزب بشكل كلي.
فنداء تونس اليوم بات يمثل واجهة لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، في اطار حربه مع الشاهد، وقد نجح في تسجيل نقطة مضاعفة ضده، بسحب الرياحي ونوابه من مشروعه ومن الكتلة الداعمة له، نقطة يدرك الجميع انها رمزية.
الرمزية تتمثل في انسحاب يعقبه بساعات اعلان اندماج، وهذا يعني ان الشاهد ومجموعته قد وقع اختراقهم من قبل قائد السبسي، الذي تتضح معالم تدخله في التسريبات التي تشير الى توزيع المهام الجديد في النداء، والذي وبموجبه سيكون الرياحي ضلعا من بين ثلاثة أضلع تسير الحزب.
فالنداء الذي تزامن إعلان اندماج الوطني الحر معه، مع عقده لاجتماع لمكتبه السياسي الموسع في المنستير، اصدر مباشرة بيانا عبر فيه عن ترحيبه بقرار الوطني الحر وما يمثله من التقاء إرادة الطرفين من اجل قيام مشروع وطني ديمقراطي يضمن التوازن ويحمي تونس، كما في نص البيان.
مشروع لم يشر الوطني الحر ولا النداء رسميا متى انطلق التفكير فيه ومناقشته بينهما، والأمر لا يحتاج إلى الكثير من البحث لمعرفة هذا، فالحزبين لم يكونا من قرر الأمر بل قيادتهما الفعلية، وهنا هما رئيس الجمهورية ورئيس الوطني الحر.
فالرجلان اللذان التقيا في المنتصف الثاني من سبتمبر الفارط ولاحقا اخر الاسبوع الفارط، يبدو انهما توصلا الى اتفاق بينهما يضمن لكل منهما ما يبحث عنه من «الصفقة»، الرئيس استعادة كتلة حزبه موقعها كثاني كتلة في البرلمان كخطوة يراد منها ابراز ان النداء سيعود الي ما كان عليه قبل الازمة وانه سيكون الأقدر على المنافسة في استحقاق 2019. والرياحي اراد تحقيق مكسبين، شخصي وسياسي، فالرجل الذي انسحب حزبه من الانتخابات البلدية يمني نفسه ان يكون حظه اوفر في التشريعية القادمة.
رهانات الرجلين تستوجب لتحقيقها ان يندمج الحزبان معا وان يكون الرياحي في دفة القيادة التي باتت بثلاثة رؤوس، الأول سيكون لنجل الرئيس حافظ قائد السبسي، الثاني للرياحي والثالث لرضا بلحاج، وفق تصور سابق وضع، ليس للرياحي وحزبه، بل لأي حزب يقتنع بالاندماج، مشروع تونس، آفاق تونس بالأساس.
اليوم وبعد ان التحق الوطني الحر ونوابه بالنداء، وسجلت نقطة ضد الشاهد وانصاره، ستزداد وتيرة المناورات بين الجانبين لضمان المركز الثاني في البرلمان، كخطوة اساسية ليقدم نفسه على انه المرشح الافضل للوسط، ولكل منهما قائمة بالحلفاء المحتملين، الذين سيكونون في وضعية مريحة للتفاوض.