النقطة الثالثة التي كشفت بحث حركة النهضة عن تحقيق معادلة صعبة، وهي ايجاد منطقة وسطى بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، دون ان يؤثر ذلك على علاقتها الايجابية بأي منهما، وهذا أصعب ما في الأمر في ظل مطالب صريحة من الرئيسين بأن تصطف الحركة خلف احدهما.
انفض اجتماع مجلس شورى حركة النهضة يوم الاحد الفارط، وصدر بيان ختامي يعلن عما توصل إليه أعضاء مجلس الشورى الـ150 من قرارات ومواقف، عبر عنها في بيان من سبع نقاط، ترحمت الاولى والثانية على العسكريين وضحايا الفيضانات في نابل.
اما النقطة الثالثة وهي عصب البيان، فقد جاءت كالتالي:«يؤكد المجلس على تثبيت التوافق والتشارك خيارا استراتيجيا يشمل كافة القوى الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وإنجاز الإصلاحات ومقاومة الفساد والسير بالبلاد نحو الانتخابات في موعدها المحدد وفي أحسن الظروف. كما يدعو الى الحفاظ على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة ومواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة لاستكمال الشروط الضرورية للشراكة مع الحرص على إيجاد علاقة بناءة مع اتحاد الشغل».
نقطة كشفت فيها النهضة ان الندوة الصحفية لهيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، قد أعادت خلط الاوراق صلبها، وانها لم تستقر بعد على خطة مواجهة واضحة لما حملته الندوة الصحفية من اتهامات زعزعت الحركة التي لاتزال تنفي امتلاكها لجهاز خاص قبل وبعد الثورة، الارتباك الذي تسبب فيه في الندوة ليس مقصورا على مضمونها، بل في الحركة هناك تصور منتشر يقوم على ان مصدر الوثائق هي رئاسة الجمهورية.
الاقتناع بان رئاسة الجمهورية هي مصدر التسريب الاخير عزز من تمسك الحركة بالابقاء على علاقتها مع الرئيس قائمة وايجابية، وتتشبث بالتوافق معه، لكن الخشية لم تعد تقتصر على ما قد يقدم عليه رئيس الجمهورية او محيطه من «اجراءات انتقامية» تضر بالحركة بل باتت تشمل ايضا رئيس الحكومة.
النهضة وهي تقر ضمنيا بانها لم تعد تأمن جانب اي من رأسي السلطة التنفيذية، تعلن انها لا تزال مع خيار الاستقرار الحكومي باعتبار ان اولويات المرحلة تقتضي ذلك، هذه نقطة للشاهد، تنتقص منها الحركة القليل لتشدد على أن الحكومة يجب أن تكون محايدة عن انتخابات 2019 لتتفرغ لانجاز الاصلاحات الاقتصادية وتهيئة البلاد للانتخابات في موعدها- مع دعوة لرئيسها بان يجري تحويرا وزاريا في اقرب وقت، وهذه نقطة لقائد السبسي الاب.
بحث الحركة على ان يجد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ما يرضيهما في بيان مجلس الشورى يبين صراحة ان الحركة وفي نقاشات قادتها انشغلت كثيرا بهذا الامر، فهي لا ترغب في وضع بيضها كله في سلة الشاهد الذي لا تعلم بعد ماذا يعده ومن معه وكيف سيتعامل مع الحركة؟؟.
عشرات الاسئلة المتعلقة بالشاهد ومصيره السياسي تجعل النهضة مسكونة بهواجس من الرجل الذي لم تجد له تصورا واضحا لمشروعه السياسي وكيف يستعمل مع الحركة كحليف ام كعدو، وهل سيجرها معه في صراع مفتوح مع رئاسة الجمهورية ونداء تونس؟.
اسئلة أعلنت النهضة صراحة انها تبحث لها عن اجوبة من قبل الشاهد الذي طالبته بان يكون صريحا معها، ولتجنب ترك هامش مناورة امامه فرضت عليه مسألة التحوير الوزاري، وهي ورقة يراد منها دفع الشاهد للافصاح بشكل مباشر او غير مباشر عن مشروعه.
فالنهضة وهي تقر بان الوقت غير مناسب لإجراء تحوير حكومي كامل يشمل جل أعضاء الحكومة او رئيسها فإنها ترغب في ان يجري الشاهد تحويرا لاستيعاب كافة المتغيرات في المشهد السياسي والقبول ضمنيا ان قام بذلك بشرط عدم الترشح لانتخابات 2019. النهضة وهي تدرك ان قبول الشاهد بهذا الشرط مستحيل تقريبا، فهي ترغب في دفعه لاول مرة ليعلن صراحة عما يخفيه، وما يخفيه الشاهد يزعج الكثيرين ومنهم اتحاد الشغل الذي غازلته الحركة واقرت انها مطالبة بتحسين العلاقة معه لاجتناب صدام معه.
اجتناب التصادم مع جل الفاعلين الكبار في المشهد هو ما يمكن ان يعنون به بيان حركة النهضة رغم نقاطه الاخرى.