على البحث عن حلّ أنسب و«مشرف» لكل منهم، وفي خضم القيام بذلك يترك كل منهم «فتات الخبز» يتتبعه من يبحث عن اقتفاء الاثر.
كما في القصص والأحاجي تتشابك الاحداث ومفاصلها لتصبح كغابة يتوه فيها من ولجها، حتى اولئك الذين يتركون فتات الخبز خلفهم لمعرفة طريقهم او ليدلوا به من يقتفي اثرهم قد يمحى الدليل ان طال بقاؤه.
لكن ورغم هذا لنكن كما الاخوين هانسل وغريتل في رواية «التوأمان» او باسم «بيت الحلوى» كما تعرف عندنا، ونقتفى الاثار التي خلفها كل من ولج الازمة من لاعبيين اساسيين وترك خلفه ما يرشد عنه سواء لمن يبحث عن «حل» او من يبحث عن فهم ما يحدث.
اول المسالك كانت من حركة نداء تونس، فرغم البيان الصادر عنها والمتضمن لـ8 نقاط ابرزها اعلان تجميد عضوية يوسف الشاهد، في الحزب وإحالة ملفّه على لجنة النظام وذلك وفقا لأحكام الفصول 59 و67 و69 من النظام الداخلي للحركة.
لاحقا في الترتيب من حيث الاهمية النقطة 6 من البيان الذي اعلنت فيه الهيئة السياسية للنداء عن «تضامنها الكلّي مع الاتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة حملة التشويه والتّشكيك في دوره الوطني التاريخي والمستهترة بتداعيات هذه الحملات على الأوضاع الاجتماعية» كما ورد به حرفيا، لتكون لاحقا وباختزال ما عبرت عنه الهيئة بانشغالها بالتدهور الحاد لكلّ المؤشّرات الاقتصادية بدون استثناء وتحذيرها من خطورة تحويل العملية السياسية من التنافس حول البرامج والمواقف إلى معركة تموقع قائمة على الانتهازية والمصلحة الفردية وتشويش المشهد السياسي وضبابيّته.
وختاما تثمين دور كتلة حزب حركة نداء تونس البرلمانية والتفاف نوّابها حول خيارات حزبهم ووفائهم للرئيس المؤسّس الأستاذ الباجي قائد السبسي رغم محاولة بعض الأطراف شقّ وحدة الحزب وافتعال الأزمات داخله مع التأكيد على التمسّك بموعد المؤتمر الانتخابي الأول للحزب في نهاية شهر جانفي 2019 على أقصى تقدير.
هذا البيان لا تقتصر اهميته في كونه «فتات خبز» يدل على مسار النداء في الأزمة، بل في ما اخفاه وهو ما وقع في نقاشات الهيئة في لقائها يوم الجمعة الفارط، فما لم يعلن عنه ان 4 من اعضاء الهيئة على الاقل كانوا ضد قرار التجميد، من بينهم كل من سلمى اللومي وسماح دمق ووفاء مخلوف، وخنساء بالحارث.
اربعة اسماء يمكن اعتبارهم فتات الخبز الذي يدل على الطريق لقصر قرطاج، فالرباعي يعتبر من المقربين لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ومن اشد المنتصرين له ولخياراته، كما ان افعالهم لا تتم في الغالب دون تنسيق مع الرئاسة وخاصة تلك المتعلقة بملفات حساسة.
لو اعتبرنا ان رفض الرباعي لقرار تجميد الشاهد وإحالته على لجنة النظام تمهيدا لطرده، كما يامل البعض، هو فتات خبز يدل على مسار الخروج من «الازمة» فان هذا المسار يمر بنا عبر قصر قرطاج ليكشف ان رئاسة الجمهورية ليست مع خيار التصعيد الكلي تجاه الشاهد بل مع خيارات اخرى.
هنا ينتهى دور الرباعي في المساعدة على معرفة طريق الخروج من الازمة، ويحل محلهن محسن مرزوق الامين العام لحركة مشروع تونس، فالاخير يمكن اعتبار تصريحاته وتحركاته الاخيرة بمثابة فتات خبز يدل السائل على المسار المراد اتخاذه للخروج من الازمة.
مسار ينطلق وفق محسن مرزوق الذي يرغب في لعب دور الوسيط بين قرطاج والقصبة من جانب وبين الشاهد ونجل الرئيس من جانب اخر بهدف الوصول الى حل يرضي الجميع ويحتوي الازمة مع ضرورة ان يكون تمهيدا للسنة الانتخابية القادمة.
خطوات مرزوق تكشف من حيث لا يدرك الرجل انه لم يتحرك دون تفويض من رئاسة الجمهورية وتنسيق معها لايجاد حل، والحل الذي يدرك من فوضه يقتضي ثمنا ويبدو انه سيكون المدير التنفيذي للنداء وفي افضل الأحوال ستكون مجموعته في الحزب مع تراجع في صلاحياته.
فتات الخبز يستمر، وهذه المرة في مجلس النواب، انظر مقال دنيا حفصة، حيث دخل محمد الناصر منذ ايام على خط الازمة بحثا عن مخرج، ويبدو ان الملف الذي كلف به الناصر من جهات معلومة، هو التوسط بين الحكومة والاتحاد لخفض حدة التوتر بينهما قبل استئناف السنة البرلمانية.
فتات يقود لاخر، وهو اللقاء الذي يحرص الجميع على ان يلتئم بين الشاهد والطبوبي بهدف الوصول لحل يهدئ الاجواء، دون ان يكون ثمنه راس الشاهد، ويبدو ان هذا بات ممكنا في ظل تحسن موقع الشاهد ووزنه السياسي.
لو وقع اقتفاء فتات الخبز بشكل سليم ولم يتلف اي منها على طول المسار، فان الصورة قد تكون اتضحت قليلا، وباتضاحها وهي تقترب من النهاية تصبح البدايات اكثر وضوحا، وهنا يمكن العودة لنقطة بداية المقال وهو بيان نداء تونس، ليكتشف ان قادة الهيئة السياسية وقد اقتفوا اثر الفتات قبلنا يبحثون عن اعادة رسم طريق جديد.
فالهيئة وهي تشدد على دعمها للاتحاد ترغب منه ان يستمر في علاقته المتوترة مع الشاهد، الذي تتهمه ببحثه عن تحقيق طموحه السياسي على حساب مصلحة البلاد، ومصلحة البلاد هذه لا يمكن ان تحمى الا باستمرار كتلة الحزب متماسكة خلف قياداتها.
هذا المسار الذي يريده قادة النداء، ولكن الاشكال عندهم ان صلابة الكتلة محل شك، خاصة وان كان ثلاثة من اصل اربعة رفضوا تجميد عضوية الشاهد هم من الكتلة التي تضم عددا من النواب الباحثين عن طوق نجاة من الغرق على مركب النداء في انتخابات 2019 ان استمر هذا الوضع.