وتناقض أولوياتهم وتصوراتهم لما يكون عليه الامر في 2019، فمع كل ساعة ينكشف ان لكل طرف حسابته التي تحركه وتدفعه لفرض حل للازمة. خاصة الرباعي: رئيس الحكومة، النهضة، اتحاد الشغل ونداء تونس، الذين تحول تناقضاتهم دون الوصول إلى حل.
يوم امس صدر بيان المكتب التنفيذي لحركة النهضة، في نقاطه الخمس التي عبر عنها لاحقا في تصريحات لـ«المغرب» كل من الناطق الرسمي للحركة عماد الخميري والقيادي بالحركة سامي الطريقي مع تركيز القياديين على اهم ما في النقاط الخمس، وهو حاجة البلاد لكل من الحوار لتجاوز ازمتها، وثانيا حاجتها للاستقرار الحكومي مع اقتران هذه الحاجة بشرطين ملزمين متلازمين، تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وعدم الترشح لاستحقاق 2019.
موقف عبرت عنه الحركة من قبل لكن الجديد في الامر انه ياتي بعد مؤشرات بدت خلال الساعات 72 الأخيرة تفيد بان الحركة كانت قاب قوسين من مراجعة دعمها للشاهد قبل ان تقرر التريث وتعلن عن موقفها القديم، حيث يقول عماد الخميري، ان المكتب التنفيذي للحركة اكد في لقائه او بيانه على أهمية استمرار الحوار بين مختلف المتداخلين في وثيقة قرطاج2 من قاعدة البحث عن التقارب وتوطيد المشتركات.
لكن هذا مع تمسك الحركة بأهمية الاستقرار الحكومي وقناعتها انها ليست المتتسببة في الازمة بل شريكها نداء تونس وفق الناطق الرسمي، في ذات السياق يشير القيادي سامي الطريقي إلى ان مؤسسات حركته ترى ضرورة الاستقرار الحكومي مع شرط تلازمي هو تنفيذ السريع للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وعدم الترشح لانتخابات 2019، مع الاشارة الى ان الحركة موقفها لا يلزم الشاهد ففي الأخر ان تعهد الشاهد علنا يبقى التزاما اخلاقيا وليس قانونيا.
قراءة الطريقي للوضع الراهن تقوم على اعتباره المشهد السياسي متقلبا وغير مستقر في ظل ازمة يجب البحث عن حل لها انطلاقا من عودة الجميع للحوار وان تعذر يترك الامر لرئيس الجمهورية لطرح مبادرة للخروج من الازمة.
يبدو ان ما تخفيه تصريحات القياديين بحركة النهضة هو ان الاخيرة تعتبر ان الاستقرار الحكومي اولوية مطلقة لها، وهذا سيتعزز مع الاقتراب من موعد الاستحقاقات الانتخابية، فما لا يعلنه قادة النهضة هو خوفهم من ان تؤجل الانتخابات بدوافع عدة، لعل منها تاجيل حسم الامور في الهيئات المعنية بالانتخابات اي عدم انتخاب رئيس الهيئة وعدم تجديد ثلث اعضائها وعدم التزام الجميع بموعد الانتخابات. لهذا وحرصا منها على انجازها في موعدها تعتبر ان التمسك بقراءتها ودعوة الجميع لطاولة الحوار قد يساعد على صياغة حل جديد لازمة يكون من ضمنه تحديد لموعد الاستحقاق الانتخابي.
هذا ما يبدو انه يختمر في ذهن حركة النهضة التي تترك هامشا واسعا امامها للتحرك مع منح الشاهد بعضا منه ليتحرك بدوره ويتقدم خطوات، مع ترقبها كما الجميع لحواره المنتظر خلال الساعات الـ72 القادمة لمعرفة ما يعده المطلوب رقم واحد في تونس اليوم.
فالنهضة تدرك انها وان مدت طوق نجاة للشاهد، يتمثل بتعهد بعدم الترشح للاستمرار في دعمه، فان الاخير لن يكون متحمسا بشدة لارتدائه والتعهد علنا بعدم ترشحه، فهذا سيجعله في موقف ضعيف في المعركة، فمن راهن عليه في صراعه مع نجل رئيس الجمهورية راهن على مشروع سياسي وانتخابي ان اعلن انه تخلص منه سيقع مراجعة هذا الدعم.
لذا فان الشاهد سيكون في وضع غير مريح بالمرة خلال الساعات القادمة فهو مطالب بان يحافظ على دعم النهضة له واقناعها بان لهما اولويات مشتركة في المرحلة القادمة، مع تجنب القضاء على مستقبله السياسي والانتخابي بكلمة لن تكون كافية لدى خصومه، واساسا النداء واتحاد الشغل لينقذ راسه.
فالوضع اليوم يتسم بتعقيدات جمة، كشف بعضها من خلال التصريحات والخطوات المتخذة من قبل كل طرف، فان كانت النقطة المشتركة بشكل مباشر او غير مباشر هي انتخابات 2019، فان لكل طرف قراءة خاصة ومصلحة تتناقض مع الاخر.
تناقض سيجد الشاهد نفسه مجبرا على اللعب في هوامشه لتحقيق ما يراه مثاليا له ولمشروعه السياسي وهو ربح الوقت الى حين مرور الفترة العصيبة وهي الاسابيع الخمسه القادمة، مع تجنب تصعيد الخلافات مع طرف اساسي وهو النهضة في المقابل عليه ان يحدد شكل العلاقة التي يجب ان تجمعه اليوم مع اتحاد الشغل الذي يتمسك اكثر من قبل برحيله خلال الشهر الجاري. الامر ذاته بالنسبة لنداء تونس، الذي اتضح جليا ان الشاهد غير قادر على السيطرة عليه وابعاد نجل الرئيس عنه، كما انه غير قادر على ترك القصبة قبل توفير مناخ افضل له.
مناخ لن يتوفر له ان لم ينجح في اقناع النهضة بالابقاء على دعمها الى غاية مرور قانون المالية ولن ينجح ان لم تكن كل نقلاته في توقيتها وبدقة لتجنب ألغام اتحاد الشغل وما يعده النداء له من مفاجأة باعتبار ان قادة النداء وخاصة من مجموعة المدير التنفيذي تدرك اهمية الوقت للشاهد ولهذا فهي تبحث عن قطع الطريق عليه باسرع وقت ممكن.
فالنداء يدرك ان بقاء الشاهد في القصبة لما بعد قانون مالية 2019 هو السيناريو المثالي للرجل وهذا يعنى خطرا عليها وعلى حظوظها في الانتخابات او فرض التزام كتلتها في البرلمان بخياراتها ومنعها من الانشقاق او التمرد والتوجه للشاهد.
المشهد اليوم اكثر من اي وقت مضى ضبابي مفتوح على الاف الاحتمالات، كل واحدة منها تحمل معها البلاد في مسار مختلف عن الاخر، وسيتفاقم الوضع اكثر خلال الشهر الجاري على الاقل قبل ان يتجه للهدوء النسبي مرة اخرى او ربما لا.