وهذا ما يبحث المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي عن القيام به، فهو يريد ان يحافظ على صورته «كزعيم» للحزب له الكلمة العليا فيه، وهذا ما يفسر بيانه الأخير الصادر منذ 36 ساعة والداعي لاستئناف نقاشات قرطاج2 لحسم ملف الحكومة.
يوم الثلاثاء الفارط وفي حدود الساعة السابعة ليلا اصدر المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي بيانا جاء فيه التالي: إن حركة نداء تونس وفي سياق متابعتها للتطورات السياسية والاجتماعية بالبلاد يهمها التعبير عن انشغالها بتنامي الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتزامنة مع العودة السياسية والاجتماعية والمدرسية وانعكاساتها المرتقبة على السلم الاجتماعي والاعلان ايضا عن تمسكها «بالتوافق والوحدة الوطنية وبكل نقاط وثيقة قرطاج 2 بما فيها النقطة 64 المطالبة بتغيير حكومي شامل».
ليختتم البيان بتوجيه طلب لرئيس الجمهورية بدعوة كل الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية المكونة لاتفاق قرطاج 2 الى الاجتماع بشكل عاجل للاتفاق على مخرج للأزمة السياسية الحالية والشروع مباشرة في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها في وثيقة قرطاج 2. هذا دون اغفال اهم عنصر في البيان وهو التوقيع في نهايته، عن حركة نداء تونس المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي.
التوقيع هو اهم عناصر البيان، حيث يكشف اكثر مما تكشفه النقاط الثلاث مضمون البيان، اول ما يكشف انه صادر عن المدير التنفيذي دون العودة لبقية هايكل حركته، اذ لا الهيئة السياسية انعقدت وناقشت ولا اي اجتماع حتى مضيق جمعه بقيادات من حزبه للخروج بهذا البيان، انما هو قرار خاص بالمدير التنفيذي وصادر عنه بمفرده دون عودة للبقية، وهذا تؤكده تصريحات قيادات الصف الاول في الحزب التي نفت مناقشة اي مواقف مؤخرا ليصدر بيان.
هذا المعطى يشرح بقية القصة، فان يصدر المدير التنفيذي لحزب، أيّا كان الحزب، بيانا بمفرده دون العودة لهياكله، فهذا مرده ان البيان ليس لابراز موقف او طرح مبادرة بقدر ما هو «اعلان عن الوجود»، اي ان البيان صدر عن المدير التنفيذي ليعلن به انه لايزال في اللعبة ولايزال متحكما بمقاليد حزبه.
رسالة أكدها لاحقا قائد السبسي الابن لمن اتصل به من قيادات الحزب للاستفسار عن سبب البيان او الاعتراض عليه، ليعلمهم «انه مدير الحزب» وله صلاحيات جمة منها اخذ القرارات وإصدار البيانات وفق ما منح له في مؤتمر سوسة.
البيان والتصريحات التي تناقلت عنه تفيد بشكل صريح أننا أمام إعلان وجود وليس فرض مبادرة سياسية جديدة تقابل مبادرة حركة النهضة في اطار لعبة «فرض إرادة»، فالمدير التنفيذي يدرك أكثر من غيره ان خصومه السياسيين لن يتعاطوا بجدية مع ما يصدر عنه إن لم يكن بقية أفراد حزبه في صفه.
فقد سبق وان اصطدمت رغبات قائد السبسي الابن برفض جزء هام من قيادات حزبه أجبرته على تعديل مواقفه في أكثر من مناسبة، اجتماع الكتلة ساعة جلسة منح الثقة لوزير الداخلية الجديد، أول لقاء هيئة سياسية يدعو لها المدير التنفيذي، كلها محطات اجبر فيها قائد السبسي الابن على ان يرضخ لقادة حزبه، فهو لم يستطع إخضاعهم وهم لم يستطيعوا افتكاك الحزب منه.
واقع يعيشه الطرفان في الحزب يبدو انه سينعكس بشكل او بآخر على الخيارات السياسية القادمة، حتى وان رفض جل قيادات الحزب الإعلان بشكل صريح ومباشر عن رفضهم للبيان أو محتواه، في ظل مخاوف من تطورات سلبية قد تأتي نتيجة إحياء الصراع مع نجل الرئيس قبل اتضاح مشروع يوسف الشاهد.
فجميع الأطراف في نداء تونس، تتحرك بهدف احكام القبضة على الحزب، وخاصة نجل الرئيس الذي يعلم ان دعوته لاحياء مشاورات قرطاج لا افق لها على المستوى العملي، فالعطلة البرلمانية ومخطط الشاهد يجعلان من استئناف المفاوضات امرا غير ذي نفع لكل اطرافه ويقحمهم في متاهات قد تعقد الامور.
بالإضافة لهذا فان النداء وخاصة مديره التنفيذي يدرك ان محاولته استثمار موقف النهضة الاخير لن يكون مصيره غير « الفشل» لعدة اعتبارات، تخص كتلة حزبه وتخص حركة النهضة بدورها، التي لن تتخلى عن فرض نسقها للسنة السياسية القادمة من اجل عيون مدير التنفيذي.
الامر ذاته لبقية الاطراف، سواء الاجتماعية او السياسية، التي تتعامل اليوم مع حقائق من بينها عدم «التعويل» على نداء تونس في حسم الأمر، وهذه حقيقة يشتغل عليها الجميع دون الافصاح عنها، فالنداء فقد منذ ماي الفارط بشكل تدريجي تأثيره على سير الحياة السياسية.