ولم يتضح بعد مدى صحة التسجيل الذي كشف بشكل جلي عن جملة من المصاعب التي يمر بها التنظيم وأنصاره في العراق وسوريا وبلوغه مرحلة من «الضعف» لم تنجح التهديدات والوعيد في إخفائها.
نشرت مواقع محسوبة على التنظيم الإرهابي «داعش» تسجيلا صوتيا مدته 54:43 دقيقة منسوب لزعيمه أبو بكر البغدادي، المختفي منذ أكثر من ثلاث سنوات، قام فيها بنشر تسجيلين، أخرهما ما نشر في الـ22 من الشهر الجاري على موقع الفرقان.
تسجيل حمل الكثير من المعطيات والمؤشرات انطلاقا من عنوانه «وبشّر الصابرين» ومن المعجم المستخدم في كامل ردهات التسجيل، من ذلك دعوة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. أنصاره إلى «عدم التخلي عن دينهم وصبرهم وجهاد عدوهم» بعد تتالي هزائم التنظيم خلال الأشهر الفارطة وفقدان جل الأراضي التي كان يسيطر عليها.
في هذا التسجيل بحث زعيم التنظيم على التلاعب بالكلمات لتجنب الاقرار بالهزيمة، من ذلك تشديده على ان «ميزان النصر أو الهزيمة عند المجاهدين ليس مرهونا بمدينة أو بلدة سلبت ومتى تخلوا عن دينهم وصبرهم وجهاد عدوهم ويقينهم بوعد خالقهم هزموا وذلوا» بل اعتبر ان التراجع «ابتلاء» وجب الصبر عليه.
دعوة للصبر تنطلق من اول كلمة ينطق بها البغدادي ويستمر في ذلك طوال 30 دقيقة، استشهد فيها باحداث وكلمات «لشيوخ» عن الصبر والبلاء والجهاد وتجنب «الادبار» في الحرب وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التي تكشف ان التنظيم يمر بفترة صعبة أجبر البغدادي على الخروج بتسجيل صوتي استدل فيه باحداث راهنة، على غرار الازمة بين امريكا وتركيا ليثبت حداثة التسجيل وصحته.
البغدادي وهو يقر في كامل ردهات كلمته بضعف التنظيم والخسائر التي مني بها، بشكل غير مباشر لم يغب عنه شن هجوم على الولايات المتحدة وروسيا وكل دول المنطقة، ليعبر لاحقا عن قراءته السياسية للإحداث. إنطلاقا من ان أمريكا خسرت مكانتها والسبب هم «المجاهدون» طوال عشرين سنة، كما لم يغب عنه انتقاد النظام السعودي والاردني ودعوة مواطني الدولتين إلى التمرد.
في هذا التسجيل الحديث لم يكن اهم ما فيه كلمات البغدادي المهددة سواء لروسيا او اميركا برد الفعل على الضربات الجوية والعمليات العسكرية وقوله «..نحن في دولة الاسلام قد أعددنا لكم يا حماة الصليب وقتلى أهل السنة على أرض الشام وكل مكان ما سينسيكم بإذن الله أهوال العراق وخرسان».
بل أن أهم ما قاله البغدادي الذي اعلنت المخابرات العراقية عن مقتله منذ حوالي سنتين، دون التلفظ به، هو الأزمات المتتالية التي يمر بها التنظيم، سواء في العراق وسوريا او في بقية المناطق، حيث نبه انصار تنظيمه من الخروج على قادتهم والتمرد عليهم، واعتبر ان البيعة ملزمة لهم ولا يجب عليهم التمرد عليها او منافسة «الأمراء» وعدم إطاعتهم.
التوصيات ايضا شملت تحذيرا من التخلي عن المواقع او عدم اطاعة التعليمات مع التشديد دائما على ان الظرف الصعب، عسكريا وماديا ومعنويا، الذي يمر به التنظيم هو «ظرفي» وابتلاء سيقع تجاوزه بـ»الثبات».
لأكثر من 50 دقيقة لم يكن البغدادي يتحدث عن تنظيم أرهقت دول الجوار لثلاث سنوات، بل عن «مجموعات» متناثرة جزعة تبحث عن مخرج لها من المستنقع، خاصة بعد الحرب المفتوحة بينها وبين بقية فصائل المقاتلة في سوريا، وهو ما تكشفه احداث ميدانية عن تزايد وتيرة الفارين من التنظيم او من الجيوب التي لايزال يسيطر عليها.
اهم ما في كلمة البغدادي هو اعترافه بان التنظيم فقد كل اوراقه ولم تتبق له الا ورقة وحيدة يعول عليها وهي حشد أتباعه المتبقين قبل اعادة تنظيمه لكن هذه المرة في شكل جديد حتى وان تمسك الكل بمسمى الدولة الاسلامية.