تراقب ما سيحمله اللقاء من مؤشرات انفراج الأزمة السياسية، لكن هذا لم يحدث .
في حدود الساعة الثانية عشرة من يوم امس انطلق اللقاء المرتقب الذي دعا اليه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، نهاية الاسبوع الفارط ساعات قبل تسجيله للحوار مع قناة خاصة. لقاء دام حوالي الساعتين جمع قائد السبسي بكل من محمد الناصر رئيس مجلس النواب ويوسف الشاهد رئيس الحكومة، اضافة الى نور الدين الطبوبي الامين العام لاتحاد الشغل وسمير ماجول رئيس منظمة الاعراف، وأخيرا كل من راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وحافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس.
هذا اللقاء الذي استعد له منذ فترة ولكن وقع تاجيله في اكثر من مناسبة كان الهدف المعلن منه وفق ما صدر عن مؤسسة الرئاسة، تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين لتجاوز الازمة السياسية التي استفحلت بعد تعليق مشاورات وثيقة قرطاج2 اثر تعذر وصول الجميع الى توافق بشان مصير حكومة الشاهد.
اكثر من شهر مضى على التعليق ولا تطورات تفيد بان الازمة وجدت طريقها الى الانفراج، بل كل الاحداث فاقمت من تأزمها اكثر وبات ضروريا حل الازمة وفق ما أشار إليه الرئيس سواء في لقاء امس او في الحوار الذي بث يوم الأحد الفارط، وظن انه سيكون نقطة تحول في المسار لكن هذا لم يحدث.
فاللقاء أهم ما كان فيه ان أعرب رئيس الجمهورية لاول مرة عن موقفه من النقطة 64 من وثيقة قرطاج محل الخلاف، بشكل مباشر مع الفاعلين في الملف، ليعلن أن الوضع إن استمر على هذا الحال، اي عدم الوصول الى حل توافقي، فان على حكومة الشاهد اما الاستقالة او أن تعرض نفسها على البرلمان لتجديد الثقة مرة أخرى.
مقترحان أثيرا أمس في اللقاء مجددا، لكن مع إيضاحات مفادها ان اختيار رئيس الحكومة لأحد المخرجين المعروضين عليه يتم ان تعذر الوصول الى توافق بين الأحزاب والمنظمات الاجتماعية على مستقبل الحكومة. التي كان رئيسها والمعني الأول بأخذ القرار يوسف الشاهد حاضرا في اللقاء ليستمع لمواقف حلفائه أو خصومه على حد سواء، دون ان يعلن عن اي خيار سيتخذه.
حلفاؤه كان واضحا أن قائمتهم تقتصر على حركة النهضة بشكل أساسي، فالحركة التي مثلها رئيسها تمسكت بموقفها السابق وهو الحفاظ على الاستقرار الحكومي والاقتصار على تحوير وزاري، باعتبار أن هذا أفضل في ظل الوضع الحالي وغياب سبب قوي للذهاب إلى تغيير كلي للحكومة. مع تقديمها لمقترح لرئيس الحكومة مفاده ان يتجه للبرلمان لسد الشغورات في الحكومة او القيام ببعض التغييرات، كما اشار الناطق الرسمي باسم الحركة عماد الخميري لـ«المغرب».
هذا المقترح يراد منه ان يكون مسارا جديدا لحل الأزمة، ووضع حد للجدل الدائر بشان مصير الحكومة ومسألة تغييرها كليا، فان مر سد الشغور ونال ثقة البرلمان فهذا سيكون حاسما في مسالة اثارة قضية اقالة الشاهد وان لم يمر سد الشغور يفتح بحث عن حلول جديدة.
موقف اقل حدة عبر عنه رئيس منظمة الأعراف الذي اختار أن يتجنب تقديم اي موقف نهائي، فلا هو مع الحكومة ورئيسها ولا هو ضدهما، انما مع التوافق وما يفضى اليه، وهو موقف يعتبر اقل حدة من موقف اتحاد الشغل الذي وان لم يطلب أمينه العام بشكل صريح إسقاط الحكومة فانه تبنى ضمنيا موقف الرئيس، وهو ان على الشاهد ان يتجه بحكومته الى المجلس لنيل الثقة من جديد.
تغير حدة خطاب الاتحاد تقابلها محافظة المدير التنفيذي لنداء تونس على موقفه السابق، وهو رحيل حكومة الشاهد اليوم قبل الغد مع التلميح الى ان النهضة بشكل أساسي تتحمل مسؤولية تأزم الوضع السياسي بالبلاد، مع التلميح الى ان الحكومة باتت «حكومة نهضاوية».
لينتهى اللقاء دون ان يحقق ما هدف اليه منظموه، تقريب وجهات النظر، اي ان يتقدم كل طرف خطوة الى الامام لإيجاد مخرج من الأزمة السياسية الراهنة، لكن هذا لم يحدث، وهذا له عدة مؤشرات سياسية، اولها اعلان الناطق باسم النهضة ان ازمة الحكومة الحالية باتت ازمة «ندائية/ندائية».
بعد ان كان الجميع ينتظر ان يتكلم رئيس الجمهورية لتحديد مواقفهم النهائية، يبدو ان كلامه لم يقنعهم بتغيير او تعديل الموقف، وهذا يعنى ان الازمة ستستمر وقد تشتد حدتها، خاصة وان الرئيس فقد القدرة على احداث تغيير في المشهد، لعدة اعتبارات كشف عنها سواء في الحوار التلفزي او في لقاء امس، حيث فقد الكثير من اوراق اللعب وهذا يفقده القدرة على المناورة السياسية والمسك بكل خيوط اللعبة ليكون الحكم، اذ بات اليوم اكثر من اي وقت سبق لاعبا كغيره من اللاعبين مهددا بخسارة ما حققه من مكاسب .